الأحد، 24 فبراير 2013

مدخل الى الفن المسرحي\ايمان البيك



اما المسرح فهو ذلك الضوء الذي بدأ يشع منذ القرن التاسع عشر ويخفت .. ويلفت الانظار الى هذه الظاهرة الجديدة التي تأخذ البصر وتخلب اللب وتثير الاستغراب .. حتى اذا تهيأت الظروف في المجتمعات العربية.. وقام الحكام المغامرون فيها .. وعملت الارساليات على تبادل الوسائل التي تقيم تركيبا اجتماعيا جديدا ، كما قامت المجتمعات في الغرب اخذ الشرق العربي يستورد الوسائل الجديدة : كمنهاج المدارس الحديثة ..والمطابع الحديثة..وترجمة الاثار التي يحتاج اليها عن الفكر الغربي والادب الغربي .. ومن بين هذه الوسائل الحديثة لفته ..المسرح..على بعد ما بينه وبين هذه الوسيلة الجديدة!
لقد أصبح الجهاز المسرحي عنصرا مكونا للعمل الادبي المسرحي.. بغيره يفقد العمل قيمة كبيرة وليس ادل على ذلك من هذه المسارح الذهنية التي قامت وتقوم والتي تعنى بالفئتين ..الصغيرة والكبيرة.. وتقيم بينهما الروابط والعلاقات!
ولعل الفضل في اقتناص البذور المسرحية من الغرب وزرعها في التربة العربية يرجع الى ابن صيدا في لبنان..ذلك التاجر  المغامر المثقف ..مارون النقاش (1817-1855) الذي كان مشعلا متوهجا في مجالات الادراة والتجارة الى جانب ثقافته العربية والتركية والايطالية والفرنسية!
ومنذ ذلك الوقت والجهود المسرحية تمضي وتنمو وتتخذ وجهة سر الى ان بلغت توففيق الحكيم فأمدها بروح منه..وانتقل المسرح بعده فأصبح فنا جماعيا ولم يعد جهودا فردية مبعثرة هنا وهناك!  لقد اصبح المسرح والعمليات المسرحية ضرورة من ضرورات الحياة الانسانية المعاصرة! اصبح المسرح ضرورة للانسان  العربي شأنه في ذك شأن سائر المجتمعات .. كالجمعيات والمؤسسات والنقابات والاحزااب والمدارس والمنشآت التي تخدم الامة والجماعة والجماهير!
كنا لا نجد الالاف من رواد المسرح .. فاصبح جمهور المسرح يزيد عن المليون!
وكان الذين يكتبون للمسرح بضعة كتاب فأصبح كتاب المسرح في مصر وحدها يتجاوزون الثلاثين!
ولم تكن المذاهب المسرحية والمدارس المسرحية واضحة المعالم فتمثلت الان للمسرح مدارسه واتجاهاته!
واصبح المسرح يقيم حوارا ومهرجانات .. واصبح له كتابه ومقتبسوه ومخرجوه وممثلوه ومصممو ديكوره ومؤلفو موسيقاه المسرحية وسائر اجهزته المتفرغون له.. ونظمت دور العرض المسرحي.. واصبح للنقد المسرحي مدارسه والعاكفون عليه.. واصبحنا نقرأ عن مسرح يوسف ادريس ونتتبع الفكرة التي يدور حولها ذلك المسرح ..كما نقرأ عن مسرح لطفي الخولي والثورة الفكرية التي يدعو لها .. واصبحنا نتتبع الواقع والرمز في مسرح سعد الدين وهبه .. واصبح لالفرد فرج اتجاهه المسرحي.. ولعبد الرحمن الشرقاوي اتجاهه .. ونشطت حركة النشر للآثار المسرحية في مصر .. ونشأت الدراما الاذاعية بفضل ذلك كله ، كما نشأت الدراما في التلفزيون .. ونشأ المسرح المدرسي.. ومسرح الاطفال !
واخيرا اصبح واضحا لدى الجماهير المثقفة ان المسرح كالفن حقيقة اجتماعية في ذاته .. والمجتمع في اشد الحاجة الى المسرح.. ومن حق المجتمع على المسرح ان يكون واعيا لوظيفته الاجتماعية بحيث يعبر عن افكار عصره وتجاربه .. ويسهم في تشكيلها كذلك
وبنبغي على المسرح في مجتمع منهار مثلا ان يعكس هذا الانهيار اذا كان صادقا مع نفسه .. كما ينبغي عليه كذلك ان يصور العالم باعتباره قابلا للتغير .. وان يساعده في تغييره .. والا فانه يكفر بوظيفته   
الاجتماعية المقدسة

مقدمة في دراسة الادب العربي  الحديث ، عبد الرحمن ياغي ،ص 60 



الجمعة، 22 فبراير 2013

المسرح في السودان



الجامعة الأردنية
كلية الآداب
قسم اللغة العربية
الدراسات العليا / ماجستير

                                        


تقرير " المسرح في السودان "

مقدم لمادة فنون النثر العربي الحديث
أستاذ المادة : الأستاذ الدكتور محمد القضاة

الطالبة : نوال موسى محمد اشريتح
العام الدراسي 2013/2012














عمان – الأردن

   " كتب بدر الدين حسن علي ثلاث مقالات مهمة عن المسرح في السودان ، نشرتها جميعا مجلة :( الأقلام) العراقية في ثلاثة أعداد الأول بتاريخ 1977 والثاني بتاريخ سبتمبر 1977 والثالث بتاريخ فبراير 1978 م .
     وهذه المقالات المهمة هي كل ما استطاع علي الراعي أن يعثر عليها من مراجع كي يثبت النشاط المسرحي في بلد عربي واعد ومبشر وهو السودان فيقول الأستاذ بدر الدين : إن تاريخ المسرح السوداني يبدأ في عام 1902 ، حين كتب عبد القادر مختار أول مسرحية سودانية هي (نكتوت ) ومعناها: ( المال ) وقد أشار كاتب المقال إلى أنها أول نتاج سوداني كما ورد في كتاب (حياتي ) الجزء الثاني للأستاذ بابكر بدري .
     ويقول الأستاذ بدر الدين : إن المسرحية – على أهميتها التاريخية – لا تمثل إلا ظاهرة معزولة لا أثر لها ، والمغزى الوحيد الذي تشير إليه  أن الإنجليز كانوا أبعد نظرا من المستعمرين الأتراك ، فسمحوا لبعض النشاط الفني والثقافي بالقيام في السودان ، على عكس المستعمرين الأتراك الذين كانوا هم أنفسهم غير مثقفين ، وبالتالي كانوا أعداء الثقافة .
    وتلي الإشارة إلى ( نكتوت ) ، إشارات مخلفة إلى نشاطات مسرحية مدرسية في السودان تمت ما بين السنوات 1905-1915 . فقد مثلت مدرسة البنات للرسالة الكاثوليكية في أم الدرمان مسرحية أدبية ضمن ألوان أخرى من النشاط المدرسي شمل إلقاء الخطب وعرض الأشغال اليدوية.
    وفي عام 1905 نشرت جريدة السودان بتاريخ 5 أكتوبر أن ( جمعية حب التمثيل ) ستقيم ليلتها الخيرية في قهوة الخواجا لويزو حيث يقوم أعضاؤها بتمثيل بعض المسرحيات الهزلية بالإنجليزية والعربية إلى جانب  فقرات موسيقية يشملها الحفل .
     وفي 15 نوفمبر 1909 نشرت جريدة السودان خبرا عن مسرحية عرضت باسم : ( هفوت الملوك ) وتستمر أنباء المسرح في جريدة السودان على هذا المنوال فتذكر مسرح ( الخواجة لويزو) .

    لكن هذه النشاطات المسرحية كات متقطعة ولم تكن تيارا متصلا ، وأن مقدميها كانوا وافدين على البلاد آتوا من الشام  ومصر .
    وفي فترة ما بين 1903- 1915 بدأت محاولات في التأليف المسرحي على يد الأستاذ إبراهيم العبادي الذي كتب ( عروة وعفراء ) بالشعر العامي وقد استمدت مادتها من التراث العربي القديم .

       ويشير الأستاذ حبيب مدثر في بحثه : ( نحو مسرح سوداني ) الذي نشر في مجلة الخرطوم ، إلى أن فن المسرح قد نقله إلى السودان جماعة من الأساتذة المصريين الذي عملوا في أول هذا القرن بالتدريس في كلية غوردون التذكارية .
      وكانت أول مسرحية لهم بعنوان : ( التوبة الصادقة ) مثلت عام 1912 والمسرحية مصرية والممثلون مصريون وبطلها قاض مصري قام هو بنفسه بإخراجها .
      وفي عام 1918 قام نادي الخريجين وتكونت جماعة صديق فريد للمسرح ، وظلت هذه الجماعة تقدم مسرحياتها العديدة خمس عشرة سنة . وقد أشار الأستاذ حسن بخيلة في كتابه : ( ملامح من المجتمع السوداني ) إلى نشاط تلك الجماعة ، وقد كان فريد أقوى ممثل سوداني اعتلى الخشبة ، وقد أدى الكثير من المسرحيات واتجهت الجماعة إلى عرض المسرحيات التاريخية هربا من وطأة الاستعمار الذي كان لا يسمح بأي محاولة تعرض بالنظام السياسي الاستعماري ، لهذا اتجهت الجماعة إلى التاريخ أو المسرحيات الأدبية وبينهما مسرحيات شوقي الشعرية ، وأجادت الجماعة تمثيل ( مجنون ليلى ) على وجه الخصوص وأضافت إلى برامجها مسرحيات عالمية معربة مثل مسرحيات شكسبير : ( أنطوني و كليوبترا) (ليوليس قيصر ) (تاجر البندقية).
     ولم يقتصر عمل الجماعة في العاصمة بل كانت الفرقة تسافر في مناسبات الأعياد الدينية وخلافها لعرض مسرحيتها في مدن وأقاليم أخرى .
     لكن الأستاذ حبيب مدثر كان يعيب على هذه الجماعة استخدمها الأسلوب الخطابي الذي اعتمدته الفرقة كوسيلة فنية لها ، وربما كان لهم بعض العذر في هذا ، إذ أن الخطابة ضرب من ضروب التنفيس عن الثورة المكبوتة .
   وكان لهذه الجماعة بعض المسرحيات الاجتماعية (كالبتول ) أو ( الغيرة )  وقد اصطدمت الفرقة بالصعوبة التقليدية : ندرة أو انعدام العنصر النسائي ، وقد لجأت الفرقة إلى الحل التقليدي كذلك وهو : الرجال في أدوار النساء .
    ولم تلبث الجماعة أن انفضت عقب اعتزال صديق فريد وبعد أخذ الاستعمار البريطاني يتعسف في معاملته للفن المسرحي عقب الثورة الوطنية التي هبت عام 1924م وظهر في أفق المسرح السوداني نجم جديد هو عبيد عبد النور أحد خريجي الجامعة الأمريكية ببيروت ، وقد بدأ نشاطه بين الطلبة غوردون ، فأخذ يقدم مسرحيات قصيرة ذات أصل أجنبي ، جعل يسودنها ويقدمها لجمهوره.
   وكان عبيد يقدم مسرحياته تحت شعار :( ليالي الأنس ) وقد عرض عبيد مسرحية قصيرة ( المأمور والمفتش ورجل الشارع ) ثم استدعي عبيد لمقابلة نائب مدير المخابرات الذي طلب إيقاف المسرحية بدعوى أنها خطيرة على الأمن ، وهكذا توقف نشاطه المسرحي وهو في بدايته .
     وفي عام 1932 كتب خالد أبو الروس أول مسرحية سودانية خالصة، وكان أن ظهرت مسرحية : (تاجوج والمحلق ) وهما شخصيتان عاشتا قصة حب مأساوية، ويقول الأستاذ بدر الدين حسن علي إن المسرحية – رغم بدائيتها- تسجل خطوتين مهمتين هما : الموضوع الوطني ، والاتجاه إلى التراث ، وللمسرحية فضل آخر وهو الخروج من العرض المسرحي المدرسي الضيق إلى رحابة الأندية الرياضية ، إذ كون خالد فرقة بنادي الزهرة الرياضي ، عرضت فيه المسرحية ، ومن ثم أخذ كل ناد رياضي يبحث عن كاتب يحتضنه وينتج له مسرحياته .
      وهكذا اتصلت الحركة المسرحية الجديدة بجمهور الأندية الرياضية العري مما أدى إلى انتعاش  الحركة المسرحية والنشاط الاجتماعي في آن واحد.
    وبعد نجاح ( تاجوج والمحلق ) ، ألف خالد أبو الروس مسرحيته الثانية ( خراب سوبا) في أواخر عام 1933م وأستقى حوادثها من تاريخ القرن السادس عشر عندما اتحد العرب والغونج لمحاربة النوبة وخربوا عاصمتها سوبا ، أما خالد فقد صور في مسرحيته مأساة الشر الإنساني وغريزة الثأر التي تودي بعقل الإنسان فتدفعه إلى ارتكاب الجرائم بلا توقف ، وقد أظهر الكاتب سوبا في هيئة عجوز قبيحة الشكل ورمز بها للنفاق الذي يستشري في الحياة الاجتماعية على مستوياتها جميعا .
     والجدير ذكره بأن مسرحيات خالد أبو الروس (السبعة الحرقوا البندر) و ( مات طه ) و( الضحية ) و(الحب والمال ) وكانت تعرض في معظم أرجاء السودان وبعض قراه .
    ثم تآمرت الظروف المحيطة على فرقة أبو الروس ، فلم تلبث أن تبددت فقد ظهر منافس خطير للمسرح في السودان وهو الفيلم المصري وخاصة أفلام محمد عبد الوهاب الغنائية (الوردة البيضاء) (يحيا الحب) ،غير أن أبو الروس عاد نشاطه بمسرحية (إبليس ) بتشجيع من وزارة الشؤون الاجتماعية للتمثيل بعد قيام الحكم الوطني في البلاد عام 1968م .
     ومع خالد أبو الروس ظهرت جهود الشاعر إبرهيم العبادي الذي قدم مسرحية من تأليفه عام 1934م وهي ( الملك نمر). وهي تستمد حوادثها من التاريخ ، لكن الحوار في المسرحية طويل والخطب رنان يضعف الجو العام للمسرحية ، وقد ظهر كتاب آخرون مثل : سيد عبد العزيز (مسرحية صور العصر ) وأمين القوم ( مسرحية فتاة البادية ) 1938م .
    وفي عام 1936 تكونت أول فرقة للتمثيل، وظهرت المرأة السودانية على المسرح، أنشأ الفرقة الفنان ميسرة السراج، وقد قدمت فرقته هذه مسرحيات كثيرة ذات محتوى اجتماعي منها ( وفاء وعجائب ) و ( انتقام وغرام ) ، كما فتحت الفرقة الباب واسعا للتبرعات واتجهت للشعب بشعار : " أعطني قرشا أعطيك مسرحا " .
    وينهي الأستاذ بدر الدين حديثه عن فترة ما قبل الاستقلال بالإشارة إلى تجربة معهد (بخت الرضا ) الذي قام في عام 1934 م برعاية الدكتور أحمد الطيب وقد بدأ المعهد بإنشاء فرقة للتمثيل ، أخذت تقدم روائع شكسبير (يوليوس قيصر ، الملك لير ، هاملت ) .
     وقد راعى الدكتور أحمد الطيب في ترجمة هذه المسرحيات أن تكون ملائمة لإمكانيات وأمزجة الطلبة وغيرهم من المتفرجين .
    وفي الأول من يناير 1956 ، نال السودان استقلاله الوطني غير أن هذا الحدث القومي الكبير لم يجد تعبيرا عنه في المسرح ، الذي اكتفى بالاسكتشات الفكاهية ، وفي عهد حكومة عبود الانقلابية ثم بناء أول دار مسرحية كبيرة سميت : المسرح القومي وتم البناء في أم الدرمان عام 1959م .
     ويقول الأستاذ بدر الدين إن أول أعمال هذا المسرح الشعبي قد جاء عن طريق جماعة تعرف باسم " أباد أماك " وكانت مسرحية : ( عنبر جودة ) حادثة وقعت بالفعل حين رفض المزارعون تقديم أقطانهم للسلطة الإقطاعية فطوقت هذه القرية جودة بعربات الشرطة المدججين بالسلاح والتقطت من بين صفوف الفلاحين 103 من زعمائهم و حشرتهم في غرفة ضيقة ثلاثة أيام ليس فقط دون أكل وماء بل دون هواء كذلك ، وكانت النتيجة أن مات هؤلاء المساكين اختناقا ، وقد قدمت الجماعة هذه الدراما الإنسانية بغاية إبراز آلام الشعب ومعاناته .
     ومن أعمال الجماعة أيضا ( أحزان ما بعد الساعة السادسة والنصف مساء) من تأليف عبد الله علي إبراهيم ومسرحية ( خطبة دفاع عن سميح قاسم ) كشفت فيها ما تعرض له هذا الشاعر المناضل من تعذيب في سجون "إسرائيل" .
    وتمخضت الثورة الشعبية أيضا عن نتاج مسرحي جديد هو المسرح الجامعي الذي لم يقدم مسرحية واحدة سودانية .
     وفي المقالة الثالثة يتحدث الأستاذ بدر الدين عن المسرح القومي في السودان تحت توجيه الأستاذ الفكي عبد الحميد الذي تولى منصب مدير المسرح القومي في عام 1967م وقد درس المسرح في إنجلترا فأراد النهوض من المتاعب الكثيرة التي تحيط بالمسرح السوداني ، فانتشاره محدود ، قضية المسرح غير مطروحة بشكل إيجابي على مستوى القطر ، النظرة العامة إليه هابطة ،ولم يبرز بعد الكاتب المسرحي المتمرس ، وعدم اهتمام الحكومات المتعاقبة بالمسرح ، ولا معهد للمسرح هناك لإخراج الطواقم المسرحية اللازمة ، ولا تزال المرأة غير حاضرة بالشكل المطلوب في نشاط المسرح ، فضلا عن المنافسة التي كان يلقاها المسرح من قبل السينما والتليفزيون .
     وقدم المسرح القومي في أول موسم له تحت قيادته أربع مسرحيات سودانية كلها هي : ( الملك نمر) من تأليف إبراهيم العبادي و ( ستار المحروسة ) من تأليف الطاهر شبيكه ، و( إبليس ) من تأليف خالد أبو الروس و( أكل عيش ) من تأليف الفاضل سعيد ، وكان الموسم ناجحا متوازن الاتجاه فالمسرحيتان الأولى والثانية من التاريخ ، والثالثة والرابعة من لون الكوميديا النقدية .
     ولم ينحصر جهد الفكي في العاصمة السودانية وحدها بل مد بصره إلى الأقاليم فعمل على بناء مسارح جديدة ، مثل مسرح تاتوج بكسلا ، و مسرح بورتسودان، ومسرح الجزيرة بود مدني ، ومسرح عطبرة مسرح كردفان ، كما أنها تنوعت العروض بين مسرحيات سودانية وعربية وعالمية معطية الأفضلية للمسرحية المحلية .
      وقد كان من أثر ازدهار المسرح في هذه الحقبة أن تألف إلى جوار المسرح القومي فرق مسرحية جديدة ، و أنشأ الفكي إدارة للفنون المسرحية والاستعراضية ، وكان من أبرز الفرق التي نشطت في هذا المعهد فرقة : الفاضل سعيد ، ولم تكن فرقة  جديدة في الواقع فقد امتد عمرها في الزمن إلى عشرين سنة خلت ، وكانت تمتد طوال هذه السنين وكان الفاضل من أبرز الكوميديين السودانيين ، وفي النشاط المسرحي الذي قدمه على خشبة المسرح القومي قدم مسرحيات : (أكل عيش ، ما من بلدنا ، النصف الحلو ، أبو فراس ، عم صابر ) وكانت أنجح هذه المسرحيات مسرحية (أكل  عيش)، وقد أخذ الفاضل سعيد بطريقة التأليف الجماعي ، حيث يبدأ لنص بفكرة ما تطرح أمام الفرقة وتبدأ المساهمات بما يجعل الحوار يتزايد ، وغالبا ما يكون هذا عن طريق الارتجال.
     وفي عام 1976م قامت فرقة الخليل 76 المسرحية ، وأخذت تركز نشاطها بشكل أساسي على إنهاض مسرح الطفل وقدمت أعمال ناجحة في هذا المجال ، وفي عام 1968م أفتتح معهد الموسيقى والمسرح الذي خرج أربع دفعات ، وقد قدم طلابه أعمالا وبحوثا مسرحية قيمة.
     وفي عام 1970م أخذت فكرة تكوين اتحاد للممثلين السودانيين تبرز إلى الوجود وتم  تكوين لجنة تمهيدية في العام نفسه ظلت تمهيدية وحسب حتى عام 1975م حين انتخبت لجنة تنفيذية لاتحاد الممثلين السودانيين وقد شرعت في محاولة إنقاذ الحركة المسرحية السودانية في وجه ضغوط معاكسة من وزارة الثقافة والإعلام .
      وتم إنشاء فرق للشباب في كل من أم الدرمان والسجانة وبحري ، وفي عام 1976م أفتتح            أول مسرح سوداني يبنى على أحدث الطرق والوسائل الفنية وهو مسرح الصداقة السودانية   الصينية ."(1)
                                                         
المرجع :
  (1) المسرح في الوطن العربي / الدكتور علي الراعي / سلسلة عالم المعرفة رقم 25/ كويت عام 1978 / ط 1 / ص (285-299 )

المباريات المسرحية ، سفوكليس ..

ا
لمباريات المسرحية:
كانت عبادة الإله  ديونيسوس اله الخمر والاخضرار ، ذات أصل قديم في اليونان وكانت الاغاني والرقصات تؤلف احتفاء به ، وتؤدى بصفة منتظمة في الاعياد المحلية في طول اليونان وعرضها. ولكن الأعياد السنوية التي كانت تقام في اثينا مثل عيد سيتي ديونيسيا الاعظم الذي كان يقام في مارس ، ولينيا الذي كاانا يقام في يناير كانت ذات أهمية أعظم بكثير من ككل الأعياد الأخرى . ان بززتراتوس في سنة 534 ق.م لقد كان ذلك من جانبه ضربة عظيمة من ضربات العبقرية لأمة ذات ذهن متوقد الذكاء ، تربت على معرفة وحب الالياذة والأوديسا، العملين العظيمين لهوميروس.
ولم تبرهن تلك الضربة فقط على انها كانت الدفعة الضرورية الي الهمت فن اسخيلوس وسفوكليس ويوربيديس وأرسطو فانيس ولكنها برهنت أيضا على أنها فرصة ممتازة لجذب الزائرين الى أثينا من كل أنحاء اليونان في وقت الاعياد . كن عيد سيتي ديونيسيا أعظم العيدين . وكان يقام في مارس  حينما كان الطقس اكثر ملاءمة للملاحة وقد اكتظت المدينة بالزائرين ، وكان عيد لينيا الاقل شأنا يقام في يناير ولم يزد  الزائرون على مجرد حفنة قليلة.
كانت تعطى للكهنة أماكن الشرف في المسرح ، وخاصة كاهن الاله ديونيسوس الذي كان يحتجز له مكان مركزي . وكان ذلك الكاهن يستطيع بوجه أخص أن يعتبر نفسه بحق مشتركا في حفل ديني حقيقي تكريما للاله الذي كان يقوم على خدمته.
وفي هذه الايام كان مرتاد المسر يستعد لقضاء يوم كام هناك، ولو كان عاقلا فسوف يحضر معه بعضا من الخمر والطعام ، ويلحق بالحشد المتعجل من اخوانه الاثنينيين، والائرين عند الفجر ليضمن أحسن مقعد ممكن . وبعد أن يصل الى المسرح يأخذ مكانه بين جمع من الناس عدده عشرون ألفا فتلك سعة المسرح الاثيني وهي أيضا مجموع سكان الامة الاثينية ، لقد كاان جهورا عريضا لأمة بأسرها بكل ما في هذه الكلمة من معنى. لم يكن لدى الاثيني صحف ومجلات ومذياع وسينما وتليفزيون لينافسوا جميعا على شد اهتمامه . كان عليه أن يعتمد في لذته الادبية وتسليته على التحدث مع أصدقائه وعى التلاوة العامة بين الحين والحين من صفحات هوميروس والشعراء الاخرين       
 وعلى الحفلات المسرحية كذلك.
  .سفوكليس:
ولد سفوكليس سنة 495 ق.م عندما كانت أثينا مشغولة بحياتها وبصراع مميت مع بلاد الفرس ومع سفوكليس نمضى خطوة الى الامام في تاريخ الدراما
كان سفوكليس يصغر اسخيلوس بثلاثين عاما أدخل الممثل الثالث  في المسرحية وحقق خطوات كبيرة في فنية المسرح ثم قضى نحبه سنة 406 ق.م 
..
يعطينا اسخيلوس شخصيات لها جلا أوليمبي وتعطى نغمة مسرحياته المتسامية لملوكه وملكاته تتعا معينا من الاحساس بالبعد والنأى. وأن مأساة اجامنون وكلتمنسترا تملؤنا بالرهبة لا نستطيع أن نتصور أنفسنا في مقامهما أنها أشباه آلهة أكثر من كونهما كائنات بشرية . اننا مع سفوكليس نحس اننا في عالم مألوف لدينا بصورة أكثر من عالم اسخليوس . نحن نحس احساسا غير متناه بالورطة المأساوية التي تواجه انتيمون ومأساة أوديب تقترب بنا من عالم ماكبث والملك لير. ليس هؤلاء مجرد ملوك وابطال اساطير قديمة.. انهم كائنات بشرية منظورة مخلوقات من دم ولحم ، ويصيحون عندما يعانون ، ويتحدثون بنفس اللهجات التي نستخدمها نحن في المواقف المشابهة



المرشد الى فن المسرح ، لويس فارجاس ،ترجمة أحمد سلامة محمد ،ص 22،34
ايمان البيك 
ا

الاثنين، 18 فبراير 2013



بسم الله الرحمن الرحيم
الجامعة الأردنية
كلية الآداب
قسم اللغة العربية
برنامج الدكتوراه









تقرير " الأدب العربي الحديث  عوامل تطوره وازدهاره"

مقدم لاستكمال متطلبات فنون النثر العربي الحديث
أستاذ المادة : الأستاذ الدكتور محمد القضاة

الطالب : محمد حسين عبد الرحيم  السماعنة
العام الدراسي 2012/2013


















عمان – الأردن


تمهيد :
نهض الأدب العربي في العصر الحديث نهضة شاملة ، فتطورت فنونه ، وتنوعت أغراضه ، وتجددت أفكاره ، وغزرت معانيه وتحررت أساليبه من قيود الصنعة . فما أسباب هذا التطور ومتى بدأ ، وأين بدأ ، وهل انسلخ كليا من أثوابه القديمة البالية التي ورثها من العصر العثماني، فإن كان فعل،فكيف كان ذلك، وهل تم دفعة واحدة أم تم على دفعات ومراحل؟
أطلق الباحثون العرب مصطلح ( عصر النهضة ) على الحقبة الممتدة من دخول حملة نابليون الفرنسية إلى مصر سنة 1798م وحتى الحرب العالمية الأولى التي انتهت بسقوط أكثر البلدان العربية تحت الاستعمار الغربي المباشر.
ولعلّ السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: ما الذي يجعل كثيراً من الباحثين يعدّون غزو نابليون لمصر بداية نهوضٍ عربي؟ فهل هي الصدمة التي أحدثتها هذه الحملة بما جاءت به من منجزات الحضارة الغربية الحديثة وهل كانت هذه الصدمة بمثابة المنبّه الذي أيقظ الشرق العربي من سباته الطويل العميق، فقد كانت هذه الحملة مزوّدة بكل الأدوات الجديدة والوسائل العصرية التي كان يجهلها العرب، فقد استجلب نابليون معه في هذه الحملة المطبعة، وأنشأ مسرحاً للتمثيل، ومدارس لأبناء الفرنسيين، وجريدتيْن إحداهما بالعربية، ومصنعاً للورق ومرصداً فلكياً، كما أقام مكتبةً عامةً، وغير ذلك من الوسائل الحديثة؟
بداية النهضة :
بدأت النهضة العربية الحديثة مع مطلع القرن التاسع عشر مسايرة ليقظة الوعي القومي الذي استمد طاقاته من عاملين أساسيين : 1- الاتصال بحضارة الغرب عن طريق الحملة الفرنسية التي أثارت في الشعب روح الإباء والدفاع عن حريته ، وقوضت أسوار العزلة التي بناها العثمانيون والمماليك بيننا وبين العالم الخارجي ، فاطلع المصريون على أنماط أخرى من الحياة وأنواع متعددة من المخترعات ، وأدوات حضارية جديدة . وعلى أساليب من الدرس والبحث لم يكن لهم بها عهد طوال عصور الظلام ، ثم توالت سبل الاتصال بالغرب بعد ذلك عن طريق : البعثات ، والترجمة والمستشرقين والهجرة إلى بلاد الغرب ، ومدارس الإرساليات ، واستقدام أساتذة من الغرب للتدريس في مصر وإتقان بعض المثقفين العرب للغات الأجنبية وإطلاعهم على آدابها.
لقد كان لكل هذه العوامل أثرها الواضح في الأدب العربي شعره ونثره ، ففي النثر تحرر من السجع وألوان الصناعة اللفظية ومال إلى السهولة والوضوح واقتبس الأدباء الكثير من الصور الأجنبية ، وهجروا الأغراض القديمة كالمقامات والرسائل الإخوانية وجدت أنواع أخرى كالقصة والأقصوصة والمسرحية والمقالة العلمية والاجتماعية والسياسية .
أما في الشعر فقد ظهرت المسرحية على يد شوقي والملحمة على يد أحمد محرم وفوزي المعلوف ، وأصبحت القصيدة وحدة مترابطة الأجزاء وتطور القلب الشعري ونظم المجددون شعرا يقوم على وحدة التفعيلة بدلا من وحدة البيت أو الشطر .
2- الاتصال بماضينا الحضاري العريق عن طريق الوعي القومي وإحساس المصلحين بما أصاب اللغة من ضعف فدفعهم هذا إلى نشر ذخائر التراث اللغوي والأدبي ، وإلى تيسير الاتصال بها ولا سيما بعد انتشار المطابع العربية . ومن أبرز هؤلاء المصلحين محمد عبده وعلي مبارك واحمد زكي . وتحقق هذا الهدف بجمع المخطوطات وطبعها ، وإنشاء مكتبة الأزهر ودور الكتب الحكومية والمدرسية وظهر أثر ذلك واضحا في تجديد اللغة والانتفاع بما في التراث من ذخائر فكرية وأدبية وفي نهضة الأدب الحديث شعرا ونثرا اعتمادا على الأدب العربي في عصور ازدهاره والاعتزاز بالماضي والاهتمام بعرض القضايا العربية السلامية .
تفصيل عوامل ازدهار الأدب في العصر الحديث
1- التعليم 2- البعوث والترجمة  3-  إحياء التراث العربي القديم 4- المكتبات 5- الجمعيات العلمية والأدبية ، والمجامع اللغوية .  6- المستشرقون 7- وسائل الإعلام ( الصحافة والمسرح والإذاعة المسموعة والمرئية ) 8- المطابع.
التعليم :
1- عندما أعلن الزمن بداية القرن التاسع عشر لم يكنن في مصر سوى الأزهر الشريف الذي ظل ينشر منذ إنشائه أنوار العلم والمعرفة والدين على العالم ، وينير الطريق للملايين من طلاب العلم الذين كانوا يفدون إليه من كل جانب ، ومن ثم فقد كان للأزهر دور كبير في قيادة الكفاح الشعبي وعزل الولاة المستبدين ، وعلى الطريق كانت هناك مصابيح صغيرة تمثلت في الكتاتيب التي تعلم القراءة والكتابة ومبادئ الحساب وتقوم على تحفيظ القرآن الكريم . ومع كل هذه الحسنات التي قام بها الأزهر تذكر المصادر أنه هو الآخر كان يعاني من إهمال كبير ، ففقدت فيه النظافة ، وصدأت فيه الأساليب والمناهج ، وفقدت منه كثير من مزاياه التي أنشئ من أجلها
2- في عهد محمد علي أرسلت البعوث من أبناء الأزهر إلى أوروبا ، وأنشئت المدارس الابتدائية والتجهيزية والعالية كالطب ، والهندسة ، والفنون ، والصناعات وغيرها ، فقد أراد محمد علي أن يصنع لنفسه مجدا ، وان يبني دولة حديثة ، وان يخلق جيشا قويا مدعما بالاحتياجات الفنية كافة التي تهيئ له القوة والنصر ، ومع أنه فعل كل ذلك على حساب الشعب وماله. ولم يشمل كل أبناء الشعب المصري إلا أنه كان لعمله هذا أثر في تطور الأدب العربي وحياة الإنسان العربي.
3- أما في عهد عباس وسعيد فقد أغلقت أغلب المدارس التي أنشأها محمد علي .
4- وجاء عهد إسماعيل فأعيدت المدارس الابتدائية والثانوية ، وأنشئت عدد من المدارس العالية التي كان لها أثرها في تقوية النهضة الفكرية والأدبية ومن أبرز هذه المدارس دار العلوم ، والحقوق ، والسنية ، وأسس علي مبارك دار الكتب لتكون مدرسة عامة للشعب ، وخزانة لنفائس المخطوطات وذخائر الكتب ، وكانت هذه النهضة استجابة قهرية ، ونتيجة حتمية للجهود المضنية التي بذلها الرواد المصلحون الذين أدركوا أهمية التعليم في تعبئة قوى الأمة لمعركة الوجود الكريم .
5- في عهد الاحتلال تحولت المدارس إلى مصانع لإعداد آلات بشرية تعمل في المصالح الحكومية ، وفتحت كل الأبواب للبعثات التبشيرية ، والإرساليات الأجنبية. فطن قادة الأمة من أبناء الشعب لذلك الخطر وعملوا على مقاومته ، فظهرت مدرسة القضاء الشرعي لتصل للثقافة الإسلامية بالثقافة العربية ، كما ظهرت الجامعة الأهلية لتحقق الوجود الفكري للأمة وتحرر العقلية المصرية من أغلال الجمود . وتعد هذه الفترة من أخصب الفترات في تاريخ مصر بحثا في أعماق النفس ، وتجميعا لطاقات الانطلاق من جديد .
ثم فرض الوعي القومي على الحكومة أن تجعل من الجامعة الأهلية جامعة رسمية لتكفل لها الاستقرار المادي ، وتبع ذلك نهوض علمي فأنشئت المدارس ، والمعاهد . وظل التعليم يعاني من الثنائية التي تحدثنا عنها سابقا فقد حرم كثير من أبناء الشعب من التعليم الجامعي ، فلم يستطع سوى نفر قليل من الفقراء من عبور الحواجز إلى الجامعة .
6- قامت الثورة المصرية فقضت على الطبقية والإقطاع الاقتصادي وعلى الإقطاع العلمي  
2-البعثات العلمية والترجمة :
1- وصلت مصر أبناءها بعلوم الغرب ومعارفه عن طريق البعثات وترجمة العلوم الحديثة إلى اللغة العربية . وقد بدأت الترجمة باستقدام الأساتذة الأجانب للتدريس في المدارس المصرية لطلاب لا يعرفون اللغة الأجنبية فاقتضت الضرورة أن يقوم بين الأساتذة والطلاب مجموعة من المترجمين يستمعون إلى الدروس ثم يترجمونها للطلاب . وكان معظم هؤلاء المترجمين من السوريين والمغاربة والأرمن . وقد قام هؤلاء المترجمون بجهود عظيمة في إحياء التراث العلمي العربي القديم واستخراج مصطلحات علمية تتلاءم مع مصطلحات العلوم الجديدة . وكان لهم فضل في ترجمة كثير من الكتب العلمية التي وضعها الأساتذة بلغاتهم وبخاصة كتب الطب .
2- أرسلت البعثات إلى أوروبا لأخذ العلم من منابعه ، وكانت أول بعثة علمية قد أرسلت عام 1826م وكان على رأسها الشيخ رفاعة الطهطاوي  الذي عني بدراسة اللغة الفرنسية وآدابها ، وعني بنقل الثقافة الفرنسية إلى اللغة العربية , وكانت له موازنة مفيدة بين اللغة العربية وبلاغتها من جهة وبين اللغة الفرنسية وآدابها وبلاغتها من جهة أخرى . وترجم بعض الكتب العلمية والتاريخية والأدبية والجغرافية والسياسية ، وعمل على إنشاء مدرسة الألسن ، واشتغل مديرا لها فقامت بجهود عظيمة إذ ترجم وتلاميذه أكثر من ألفي كتاب ورسالة في مختلف العلوم والفنون والآداب كانت أساس الاتصال بالفكر الأوروبي لأنها وجهت المثقفين روائع المكتبة الأوربية ، وفتحت نوافذ الثقافة أمام الجيل التالي من الأدباء الذين كان من أشهرهم محمد عثمان الذي ترجم مسرحيات موليير .
2- في النصف الثاني من القرن التاسع عشر هاجر إلى مصر كثير من الأدباء السوريين هربا من الاضطهاد التركي والفتن الطائفية ، وقد مارس هؤلاء نشاطهم الصحافي والمسرحي أذكر منهم : يعقوب صنوع صاحب أول مسرح عربي مترجم ، ومنهم أديب إسحق وسليم نقاش ، اللذان اشتركا في إنشاء مسرح عربي . وعني مجموعة من هؤلاء بترجمة القصص والمسرحيات مثل نجيب حداد ، وخليل مطران ، غيرهم وقد نقل هؤلاء روائع الأدب الغريب أمثال فيكتور هوجو ، وكورني ، وموليير ، وشكسبير .
أما في عهد الاحتلال البريطاني فقد توقفت حركة الترجمة في بدايته وحدث صراع بين مرير بين مثقفي مصر والحاكم البريطاني ملأت مقالاته الصحف .
أثر الترجمة في اللغة والعلوم والآداب :
أدت حركة الترجمة والحاجة إلى معرفة ما في الكتب العلمية الأجنبية إلى إنشاء مجامع لغوية لإيجاد مصطلحات علمية تتلاءم مع المصطلح الأجنبي أو تعربيه ، وأدت إلى إحياء التراث العربي القديم ، وكشفت صلاحية اللغة العربية لتدريس العلوم الحديثة ، وأدت إلى وضع معاجم علمية وطبية ، وساعدت في إنشاء النوادي والجمعيات والمجلات العلمية .
أما أثر الترجمة في النثر فقد كان واضحا فقد تحرر النثر من السجع والمحسنات البديعية ، ومال إلى السهولة والوضوح والدقة ، واقتبس الأدباء كثيرا من المعاني والصور الأجنبية ، وهجر الأدباء الأغراض القديمة كالمقامات والرسائل الإخوانية ، وعالج النثر المقالة بأنواعها، وظهرت القصة الطويلة والقصيرة ، وغلب على البعض الكتاب الطابع التحليلي والفلسفي أو العلمي نتيجة للدراسات النفسية ، والمذاهب الاجتماعية والاقتصادية مما أدى إلى ظهور مذاهب أدبية متعددة وبذلك أصبح الأدب هدفا يتناول كل شيء في الحياة في أصالة واقتدار .
أما في الشعر فقد ظهرت فنون جديدة وتطورت أغراض وتطور القالب الشعري فلم تعد القافية الموحدة هي صاحبة السيطرة بل شاركتها المقطوعة ، ومن الشعراء أو الكتاب من تحرر من الوزن والقافية ومنهم من تحرر من كل ما يمت للقصيدة القديمة بصلة فهل كان هذا تطورا أم نكوصا ؟
3- إحياء التراث العربي : أصاب اللغة العربية ضعف كبير في العصر العثماني ، ولما لاح فجر النهضة العربية الحديثة أحس المصلحون مدى الحاجة إلى إحياء التراث العربي القديم في عصوره الزاهرة ، وساعد على ذلك وجود المطابع التي نشرت كتب الصناعة والمعاجم التي تساعد المترجمين على مواصلة نشاطهم . وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر نشرت كتب قيمة من ذخائر تراثنا اللغوي والأدبي وممن حمل لواء الدعوة إلى إحياء التراث : محمد عبده ، وعلي مبارك ، وأحمد زكي . وقد حملت دار الكتب المصرية عبئا كبيرا في نقل ذخائر التراث العربي ، وشارك في هذا الإحياء مؤسسات ثقافية وهيئات رسمية في كل من القاهرة ودمشق ، وبغداد ، وتونس، والمغرب .
4- المكتبات : خلف العرب تراثا فكريا وأدبيا عظيما كبيرا ضخما ، وفي عهود الضعف بعثر هذا التراث ونقل إلى مكتبات أوروبا وخزائن السلاطين في تركيا ، وبدأ دور النهضة وما بقي منه موزع في التكايا والمساجد ودور الخاصة ، مما دعا مبارك إلى إنشاء دار الكتب المصرية 1870.
5- الجمعيات العلمية والأدبية : ظهرت أول جمعية علمية في بيروت سنة 1847ثم ظهرت في مصر جمعيات علمية هدفها تشجيع دراسة الآداب والعلوم وأشهرها لجنة التأليف والترجمة والنشر التي أسست سنة 1914، وأما المجامع اللغوية فقد جاء التفكير فيها نتيجة لنشاط الترجمة ورغبة في تطويع اللغة لنقل آثار الحضارة الغربية ومن أهمها المجمع العلمي العربي بدمشق والمجمع اللغوي في مصر ، ومن أشهر أعماله : المعجم الوسيط ، والمعجم الكبير ، ومعجم ألفاظ القرآن الكريم ، وللمجمع مجلة تقوم بنشر البحوث اللغوية الدقيقة إلى جانب الموضوعات التي يناقشها المجمع في مؤتمره السنوي ،ومهما اختلافنا في الدور الذي قامت به المجامع أو الذي تقوم به حاليا فإننا لا نستطيع أن ننكر أن لهذه المجامع في خدمة اللغة العربية . 
6- المستشرقون وأثرهم في اللغة العربية وأدبها :المستشرقون جماعة من علماء الغرب تخصصوا في دراسة لغات الشرق ، وعنوا بالبحث في دياناته وتاريخه وعاداته وعلومه . وقد بدات حركة الاستشراق منذ القرن العاشر الميلادي حين بدأت أوروبا تستيقظ من نومها وكانت الأندلس قنطرة عبرت عليها الثقافة العربية إلى أوروبا.اهتم المستشرقون بالعلوم والفلسفة واللغة وقد قوي الاستشراق في القرن التاسع عشر لأسباب دينية وسياسية ، فقد أنشا الأوروبيون مدارس لتعليم لغات الشرق وفهم مزاجه وعقليته ليسهل عليهم حكم المستعمرات الخاضعة لهم . وتطور الاستشراق إلى دعم الاتصال الفكري بين الغرب والشرق  واخلصوا كثير منهم في بحوثهم خدمة للعلم والتاريخ .وقد تنوعت المجالات التي ظهر فيها نشاط المستشرقين فقد أنشؤوا الجمعيات الآسيوية والمعاهد الشرقية ، وعقدوا كثيرا من المؤتمرات ، وجمعوا كثيرا من نفائس المخطوطات وحققوا كثيرا منها ونشروها ، وألفوا دائرة المعارف الإسلامية ،ووجهوا الدراسات نحو الترتيب العلمي والتحقيق العلمي والاستقراء العلمي ، ويذكر أن في مكتبات الغرب أكثر من ربع مليون كتاب عربي . ولعل أشهر المستشرقين هو كارل بروكلمان ، وجب ، ودي ساسي ، وفيرتاخ .ولو أردنا أن نعدد ما يؤخذ على كثير منهم من مآخذ لعددنا كثيرا منها .
7- وسائل الإعلام : الصحافة : عرفت مصر الصحافة إبان الحملة الفرنسية ، وفي عهد محمد علي صدرت أول صحيفة هي الوقائع المصرية لنشر أنباء الحكومة دون أن تعبر عن رأي الشعب.وصدرت روضة المدارس  . وقد رافق انتشار الصحافة ظهور مجموعة من الكتاب الذي برعوا في مجال المقالة أذكر منهم : محمد عبده ، وعبد الله النديم ، وعبد الله فكري ، ورفاعة الطهطاوي ، وصالح مجدي ، ولا ننسى الدور الذي قام به أدباء الشام الذين فروا إلى مصر في الصحافة فقد ظهرت الأهرام والمقطم ،اللتان هادنتا البريطاني المستعمر مما دعا الوطنيين إلى إنشاء صحف وطنية فظهرت المؤيد للشيخ علي يوسف ، واللواء لمصطفى كامل ،
بقي أن نقول إن للأحداث السياسية التي عصفت بالمنطقة العربية بعد الحرب العالمية الأولى والثانية دورا في تطور الفكر العربي والأدب، وان لظهور النزعة القومية والوطنية أثرا بارزا في تطور الأدب العربي الحديث.
النثر قبل النهضة :
وصل النثر العربي قبل النهضة قبل النهضة العربية الحديثة إلى مرحلة الاحتضار ، إذ أصيب بوهن وسقم شديدين بالغين، وبعقم خطير مستفحل في قالبه ومادته، بل لئن شئت الدقة أكثر فأكثر فقل إنه ابتلي بشلل تام دب في أوصاله، في أسلوبه وأفكاره، شكله ومضمونه، إذ غرق الكاتب في التقليد والاجترار والتعقيد والإبهام والإغراب والتكلف والزركشة والتنميق والتزيين، فقد كانت عباراتهم تتهالك عياً وسخفاً، وجملهم ركيكة،و تراكيبهم واهنة، ومعانيهم غثة مرذولة،و أفكارهم ضحلة تافهة، وأساليبهم رثة مهلهلة، تقيدها المحسنات اللفظية وفنون البديع المتصيدة تصيداً عجيباً، ومن كان منهم على حظ من الأدب أو يدعيه، كان غاية من تفتقت عنه عبقريته، أن يؤلف المقامات وليته يحسن صنعاً أو يتقن فناً، فما يأتي به لبراء من فن المقامة وماهو إلا تصحيف وتشويه لهذا الفن ولا يمت له ولا للأديب بعامة بأية صلة كانت لا من قريب ولا من بعيد، غاية ما فيه عبارات مغتصبة وأساليب مسروقة من الأولين، تبدو ظاهرة للعيان، ومع التواء في العبارة وتكلف في السجع وحشد زاخر من المحسنات والبديع، يخاطبك الكاتب من وراء جدر سميكة وحجب صفيقة لا تستبين منها نفسيته ولا تتعرف أحاسيسه لأن القوالب محفوظة والجمل مرصوصة.‏
ولئن حاول أحدهم نبذ التكلف والركاكة والخروج عن التنميق والتزيين، فليته لا يفعل ذلك، لأنه يقع في هوة سحيقة لا قرار لها، فيجد أن عباراته المسجعة المزركشة بفنون البديع، أسلم وأقوى وأجمل صياغة من عباراته التي يزعمها مرسلة، إذ غلبت عليها التركية والعامية والأعجمية لا في ألفاظها وكلماتها فقط، وإلا لهان ذلك، بل في طريقة تأليف الجمل وتركيبها وصياغتها.‏
وللأسف فإن هذا العقم أو الشلل المستفحل الخطير، عم نثرنا العربي كله ففي مصر نقرأ نصاً من مقامة لواحد من عمد أدباء زمانه هو الشيخ مصطفى الدمياطي جاء فيه (هاجت لي دواعي الأشواق العذرية وعادت بي لواعج الأتواق الفكرية إلى ورود حمى مصر المعزية البديعة ذات المشاهد الحسنة والمعاهد الرفيعة)(1) ونقرأ رثاء لهذا المتفاصح من الجبرتي، نجد فيه مصداقاً للقول القائل (إن الطيور على أشكالها تقع) فنثر الراثي كنثر المرثي في سقمه وضعفه وعقمه، قال الجبرتي (مات أفضل النبلاء وأنبل الفضلاء بلبل دوحة الفصاحة وغريدها، من انحازت له بدائعها طريفها وتليدها)(2) من نجوم الأدب المتألقة المشعة في دمشق آنذاك الشيخ خليل الدمشقي ونقرأ له كنموذج مقطعاً من رسالة قال فيها: (أهدي السلام العاطر باكراه السحاب الماطر والتحايا المتارجة النفحات الساطعة اللمحات الشامخة الشميم الناشئة من خالص صميم) وهاك نصاً من العراق، لأديب بارز في ذياك العصر هو أبو الشفاء الألوسي يصف فيه نساء الأستانة فيقول (وفيها من النسوان ما يخيل أنهن من حور الجنان وفيهن من عادات نساء الأعراب أنهن يبرزن إلى الأزقة بمجرد نقاب وقد حققت أن منهن من لا تخرج من بيتها إلا إلى الحمام ولا يحوم عليها طائر نظر أهل الأزقة، نعم لا يخلو غيل من واوي رأى بلد طويل عريض ليس فيه كلب عاوى) إلى آخر ما في هذا الهراء من سفاسف منفرة تثير الضحك ملء الأشداق، وهاك رسالة من الحجاز بعث بها شريف مكة إلى المدير العام للحدود المصرية( وبعدما: وصل إلينا كتابك وفهمنا كامل ما حواه خطابك فأوجب ذلك عندنا وافر السرور ومزيد الود والحبور) ومن فلسطين العربية يطالعنا نص من تقرير رفعه أعيان نابلس ومنهم المفتي ورجل الدين والعلم والأدب، إلى إبراهيم باشا بن محمد علي سنة 1840يشكون فيه تصرف أحد ولاتهم (المعروض للأعتاب السنية السر عسكرية صانها رب البرية يعرض عبيدكم بخصوص أحمد آغا، حضر لعنده رجل يسمى علي مرعشلي من سباهية الاسلامبول وعند حضوره أظهر الأفراح بضرب الفتاش ببيته وضرب البارود فيه ليلاً ونهاراً، ومن كون ذلك مخالفاً للإرادة الشريفة وجب علينا تقديم الأعراض لأعتاب دولتكم لأجل يحيط العلم الشريف أن هذه الأمور ما أحد من أهالي نابلس داخلاً وخارجاً موافق المذكور) وواضح أن هذا النص أو تلك النصوص منها النثر الديواني ومنها النثر الأدبي الفني ومنها ما يسير نهج السجع والبديع وفن المقامة ومنها ما يأخذ بنهج الترسل والبساطة المزعوم ولا أظن أني بحاجة لأدل القارئ الكريم على ما في هذه النصوص من ركاكة وإسفاف وتكلف ذميم وتزيين مقيت مرذول وتهافت بالعبارة وضحالة وتفاهة وسذاجة في الأفكار والمعاني واستعجام في الألفاظ عدا العامية الفاحشة، كما لست بحاجة لأدل القارئ على مواقع المحسنات اللفظية وفنون البديع التي جد أصحاب تلك النصوص بالتنقيب عنها.‏
أما عن عقم وجمود مضمون النثر العربي ومادته بهذه الفترة السوداء من تاريخ أدبنا العربي فحدث عنه ولا حرج، حيث أغرق الكتاب والمؤلفون أو على الأصح مدعو الكتابة والتأليف في وضع الشروح والحواشي والتقريرات والتلخيصات على المتون العقيم التي يطالعونها أو ينظمون منظومات العلوم أو المقامات المصحفة المشوهة الزيفاء أو الرسائل الأدبية التافهة الضحلة أو يؤلفون في اللغة والشريعة، ولئن حاول أحدهم أن يشذ عن أقرانه فيكتب بغير ذلك فيجد نفسه في هوة جديدة إذ تمتزج العلوم والمعارف التي يزعم ويدعي التأليف بها بالخرافات والأوهام والترهات الباطلة الفارغة، فالشرقاوي مثلاً حاول التأليف في التاريخ وليته ما حاول إذ مزج الحقائق التاريخية بالأساطير والخرافات الجوفاء وفسر التاريخ على منطق الجاهل الأرعن المتعفن بعقله وفكره المؤمن بالسحر والخوارق حيث ذكر في كتابه تحفة الناظرين أن أقصر الفراعنة عمراً عمَّر 200 سنة وأطولهم عمراً عمَّر 600 سنة وأن فرعون موسى كان قصير القامة طوله ستة أشبار وقيل أن طوله ذراعاً واحداً وطول لحيته سبعة أشبار وأنه حكم مصر 500 سنة.‏
تطور الشعر :
تعد بداية القرن العشرين علامة جديدة وثورية في تاريخ الشعر العربي ، فقد تزايد تأثير الأدب الغربي ومن خلال هذا التأثير المتزايد دخلت الفنون الشعرية الخارجية وبالتحديد الغربية في الشعر العربي ، وجعل الشعراء العرب يمارسون هذه الأشكال الشعرية ، وبدأت إرهاصاتها الأولى تظهر في القرن التاسع عشر ، ومن هذه الأنواع الشعرية الشعر المرسل (Blank Verse) الذي حاول تطبيقه لأول مرة رزق الله الحسّون عام 1869م ، وأحياه جميل صدقي الزهاوي عام 1905م ، وفي العام نفسه زاول أمين الريحاني تجربته في الشعر المنثور بتشجيع من جورجي زيدان مقلداً بذلك الشعر الحر (Free Verse) الذي كان ينظمه في الأفرنج.
. ويجب أن نشير إلى نقطة مهمة للغاية ، وهي لماذا مست الحاجة إلى التجديد والحداثة الشعرية في العربي الحديث ....؟
لقد ذهب النقاد في الإجابة عن التساؤل إلى مذهبين:
١- منهم من قالوا إن الشعر التقليدي لا يصلح لمعالجة القضايا البشرية خاصة فيما يتعلق بالحياة العلمية والعلوم الاجتماعية والتجريبية ، والتقيد الصارم بالقوافي والأوزان يجعل الشعر عاجزاً تماماً عن التعبير الدقيق عن  خواطر الشعراء والأدباء ، ومن ثم ثار الشعراء والأدباء ضد قيود الأوزان والقوافي. ٢- بينما يرى بعض النقاد أن التطلع إلى التجديد لدى الشعر هو الذي سبب في التجديد وأدّى الشاعر إلى التجديد والابتكار والتفنن في الأوزان والقوافي .
عوامل التطور في النثر العربي الحديث :
تطور النثر بعد الحرب العالمية الأولی، وظهر الاتجاه الأدبي الذي يدعو أصحابه إلی الأسلوب الفصيح الرصين الجزل، حتی يکون لأدبهم موقع حسن في الأسماع والقلوب، فهم يحرصون علی الإعراب وعلی الألفاظ الصحيحة. وکانوا في إطار تجديد، لا يخرجون عن أصول العربية، ويقوم هذا الاتجاه علی التحول والتطور في اللغة العربية علی نحوما تحولت وتطورت الآداب الأوربية، دون قطع صلتها بالقديم، ومن أصحابه في مصر، طه حسين، هيکل والعقاد. وهذه النزعة المجددة کانت إحياء للقديم وبعثا وتنمية في صور جديدة، ويعتمد علی عنصرين متکافئين وهما المحافظة علی إحياء القديم والإفادة من الآداب الغربية. [3] وقد ظهرت، في أواخر القرن التاسع عشر، أربع طوائف في النثر وهي: طائفة الأزهريين المحافظين، وطائفة المجددين المعتدلين الذين يريدون أن يعبرو بالعربية دون استخدام سجع وبديع، وطائفة المفرطين في التجديد الذين يدعون إلی استخدام اللغة العامية، ثم طائفة الشاميين، التي کانت في صف الطائفة الثانية، واشتدت المعارك بين الطائفة الأولی والطوائف الأخری، حتی انتصرت طائفة المجددين المعتدلين، فعدل الکتاب إلی التعبير بعبارة عربية صحيحة لا تعتمد علی زينة من سجع وبديع، بل يعتمد علی المعاني ودقتها(4)
وکان محمد عبده علی رأس طائفة المجددين المعتدلين. وهو الذي أخرج الکتابة الصحفية من دائرة السجع والبديع إلی دائرة الأسلوب الحر السليم. وکوّن لنفسه أسلوبا قويا جزلا، ومرّنه علی تحمل المعاني السياسية والاجتماعية الجديدة والأفکار العالية، ومعنی ذلك أنه طور النثر العربي من حيث الشکل والموضوع.(5)
ثم جاء تلميذه لطفي المنفلوطي فقطع بهذا النثر شوطا کبيرا بکتبه ومقالاته، فأنشأ أسلوبا نقيا خالصا ليس فيه شيء من العامية ولا من أساليب السجع الملتوية إلا ما يأتي عفواً، ولم يقلد في ذلك کاتبا قديما مثل ابن المقفع والجاحظ بل حاول أن يکون له أسلوبه الخاص، فأصبح النثر متحررا من کل أشکال قيود السجع والبديع، وبذا يعد المنفلوطي رائد النثر الحديث. وکانت الشهرة التي حظي بها المنفلوطي، تعزی إلی أسلوبه أکثر مما تعزی إلی مضمون مقالاته. وهو أدرك الحاجة إلی تغيير أساليب اللغة العربية، وکثيرا ما عبّر عن اعتقاده بأنّ سرّ الأسلوب کامن في تصوير الکاتب تصويرا صادقا لما يدور في عقله من أفکار. (6)
موضوعات النثر في عصر النهضة:
کانت موضوعات النثر واسعة الأفق، و تناولت مشکلات الحياة وما يهم الشعوب وما يبعث علی اليقظة والنهضة ممثلة في:
- الدفاع عن الشعوب المظلومة.
- الدعوة إلی الأخذ بنظام الشوری في الحکم.
- محاربة الاستعمار، وإثارة الحمية الوطنية في نفوس الشعوب المستذلة.
- السعي في إصلاح المفاسد الاجتماعية.(7)
أغراض النثر في عصر النهضة:
1ـ النثر الاجتماعي الذي يتطلب صحة العبارة، والبعد عن الزخرف والزينة، ووضوح الجمل، وترك المبالغات، وسلامة الحجج وإجراءها علی حکم المنطق الصحيح، لأن الغرض منه معالجة الأمر الواقع، فلا ينبغي استعمال الأقيسة الشعرية، ولا الخيال المجنح.
2ـ النثر السياسي أو الصحفي، ويمتاز بالسهولة والوضوح بحيث يکون معناه في ظاهر لفظه؛ لأن الصحف تخاطب الجماهير، ويقرؤها الخاصة والعامة.
3ـ النثر الأدبي، وهو أشد أنواع النثر حاجة إلی تخير اللفظ، والتأنق في النظم، حتی يخرج الکلام مشرقا منيرا، لطيف الموقع في النفوس، حلو النبرة في الآذان، لأن للموسيقی اللفظية أثرا کبيرا في الأذهان. وهو أدنی أنواع النثر إلی الشعر. (8)
مظاهر تطور النثر:
لقد مسّ التطوُّر النثر العربي في ثلاثة محاور أساسية قام عليها ونهض بها، وهي:
-اللغة التي تحررت من قيود التكلّف منذ أن انحسرت موجة البديع في منتصف القرن التاسع بعد قرون عديدة، فعادت تعانق الحياة، وتحمل الأفكار، وتصوّر المعاني الإنسانية التي يهدف إليها الكاتب.
- موضوعات الأدب التي كانت بعيدةً عن حاجات الناس وحياتهم ومشاكلهم، ها هي تعود مرّةً أخرى لتلبي تطلعات الشعوب، فصار الخطاب النثري يحلّل كل جانب الحياة السياسية والاجتماعية والتربوية والخلقية والدينية.
-كسب الأدب العربي الحديث فنون أدبية ونثرية جديدة كان يفتقر إليها، فظهرت المسرحية والقصة والرواية.
 *خصائص للنثر في هذه المرحلة :
يمكن إجمال خصائص النثر في الآتي :
تقصير الجمل ، بحيث أصبحت الجملة الواحدة مختصة بأداء معنى واحد ، ولم يعبر عن المعنى الواحد بجمل متعددة .وترك المبالغة ، واجتناب الزخارف اللفظية والسهولة والوضوح ، لأن الصحف وقراءها لا يسيغون الغموض والتعقيد الذي يبعد بالمقال عن هدفه, اختيار الألفاظ الجملية المتأنقة ذات الموسيقي التي تمتع القارئ وتجذبه. 
مجالات النثر الحديث:
أولاً : الخطابة .ثانياً : المقالة .ثالثاً : المسرحية .رابعا: الرواية .خامسا : السيرة .سادسا : الخاطرة
 خاتمة البحث:
 خرج النثر في العصر الحديث من عهد الانحطاط، وبدأت الأساليب تتحرر في بعض جوانبها من قيود التصنع اللفظي؛ وکان للطباعة و الصحافة أثر کبير في تطور النثر. وأن النثر العربي  مر بثلاث مراحل:
1-    مرحلة البدايات: بدأت بالاحتكاك بالحضارة الغربية , وكان هذا الاحتكاك  من أهم عوامل التطور في هذه المرحلة, وبدأ الأدب يتخلص من الموضوعات التقليدية, ويهتم بالحياة الجديدة, ويعبر بالجملة البسيطة  الخالية من التصنع, ولا تخلو كتابات هذه المرحلة من بعض مظاهر الضعف وورود الألفاظ الدخيلة , وعدم الاهتمام بالصورة. وأهم الأمثلة على ذلك نثر الجبرتي في كتابه ( عجائب الآثار) – والطهطاوي  في كتابه ( تخليص الإبريز في تلخيص باريز ) الذي يقول فيه عن  الصحف:" وهذه الجورنالات مأذون فيها لسائر أهل فرنسا أن تقول ما يخطر لها , وأن تستحسن أو تستقبح ماتراه حسناً أو قبيحاً".
2- مرحلة الانتقال:
     وفي هذه المرحلة تطور النثر بتأثير انتشار التعليم والطباعة والترجمة وإحياء التراث. وظهر الصراع بين القديم والجديد , وظهرت المقالة وازدهرت الخطابة, وبدأت محاولات كتابة القصة على شكل مقامات, وقلّ التكلف , وإن بقي السجع عند بعضهم . ومن أمثلة هذه المرحلة ( عبد الرحمن الكواكبي ) في كتابه ( طبائع الاستبداد ) – ومحمد المويلحي في كتابه ( حديث عيسى بن هشام ) الذي صور فيه مصر في أيام الإنكليز  , وعالج مشاكل الأخلاق والتعليم  بروح إصلاحية , ومما يقوله فيه: " فظللت أنا والوالي نواصل الطواف بالطواف للوقوف على تلك الأوقاف , ونسائل العابر وابن السبيل عن المسجد والسبيل ".
3-   مرحلة الازدهار: وفيها تنوعت فنون النثر , وظهرت مدرستان في الكتابة النثرية:
أ‌-       مدرسة المحافظين: وهم أصحاب الثقافة العربية الصرف, وهؤلاء حرصوا على جودة الصياغة وسلامة اللغة  , وعالجوا الأمراض التي جاءت مع الحضارة الغربية. وأهم روادها:
                              ( الرافعي – والمنفلوطي – والزيات )
ب‌-   مدرسة المجددين : وهؤلاء تأثروا بالثقافة الغربية , واهتموا بعمق الفكرة ودقتها وتحليلها  واستقصائها , وعالجوا قضايا النقد الأدبي والتحليل النفسي والاجتماعي . وأهم أعلامها:
                            ( طه حسين – العقاد – المازني – جبران – نعيمة – توفيق الحكيم )                              
وظهر للباحث أن تطور النثر العربي الحديث كان في مجالات متنوعة فقد :
 1-    اتسعت موضوعات النثر لتشمل الأدب والاجتماع والعلوم والسياسة .
2-    تنوعت الأساليب فكان هناك : الأسلوب العلمي والأسلوب الأدبي و الأسلوب المتأدب الميسّر.
3-    تطلعت الأفكار إلى الابتكار والتجديد والتحليل والتعليل والوضوح والتفصيل .
4-    برزت شخصية الأديب المفكرة وعاطفته الصادقة وصوره الطريفة.
5-    تخلصت الأساليب من التكلف وأصبحت نقية غير معقدة.





الحواشي
[1] لسان العرب: ابن منظور، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط 2، 1992م، مادة (نثر)
[2] الفن ومذاهبه في النثر العربي: شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، ط 12، ، ص: 15
 [3] الأدب العربي المعاصر في مصر: شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، ط 7، ص: 192 ـ 193
[4] الفن ومذاهبه في النثر العربي، ص: 392
[5] الأدب العربي المعاصر في مصر، ص: 227
[6] دراسات في الأدب العربي: هاملتون جيب، المرکز العربي للکتاب، دمشق، لاط، ص: 55
 [7] في الأدب الحديث: عمرالدسوقي، دارالفکر، القاهرة، ط 8، 1973م، ج:1،ص: 340 وما
[8] في الأدب الحديث، ص: 325 وما بعدها