الأربعاء، 24 أبريل 2013

صورة المرأة في القصة القصيرة النسوية الأردنية / نوال موسى اشريتح








الجامعة الأردنية
كلية الآداب
قسم اللغة العربية
الدراسات العليا / ماجستير




  " صورة المرأة في القصة القصيرة النسوية الأردنية   "

 



مقدم لمادة فنون النثر العربي الحديث
أستاذ المادة : الدكتور محمد القضاة

الطالبة : نوال موسى محمد اشريتح








القصة لغة: الليث: القَصُّ فعل القاصّ إِذا قَصَّ القِصَصَ، والقصّة معروفة. ويقال: في رأْسه قِصّةٌ يعني الجملة من الكلام، ونحوُه قوله تعالى: نحن نَقُصُّ عليك أَحسنَ القصص؛ أَي نُبَيّن لك أَحسن البيان. والقاصّ: الذي يأْتي
بالقِصّة من فَصِّها.(1)
     القصة القصيرة اصطلاحا: لم يتفق النقاد على تعريف واحد للقصة القصيرة ، ولم يتطابق تعريف آخر إلا سبب متفاوتة، فيرى صبري حافظ أن القصة القصيرة فن عصي مراوغ مليء بطاقة شعرية مرهفة ، وقدرة فائقة على تفطير التجربة الإنسانية ، والقبض على جوهر النفس البشرية ، التعبير عن صبوتها ومطامحها و أحزانها ببساطة ويسر .
    ويرى سمير قطامي أن القصة القصيرة لا تعنى بنقل الخبر ، بل بتصوير حدث متكامل يجلو موقفا معينا ،  وكل ما في نسيج القصة من لغة ووصف وحوار وسرد يجب أن يقوم على خدمة الحدث وتطويره .
     ويعرفها الطاهر المكي بأنها: " حكاية أدبية ، تدرك لتقص ، قصيرة نسبيا ، ذات خطة بسيطة وحدث محدد ، وهي حول جوانب من الحياة لا في واقعها المادي والمنطقي و إنما طبقا لنظرة مثالية ورمزية وهي لا تنمي أحداثا وبيئات وشخوصا ، و إنما توجز في لحظة واحدة حدثا ذا معنى كبير.
    ويتوهم كتاب كثيرون أن هذا الفن سهل التناول لقصره ،ويغيب عنهم أنه من أصعب الأعمال الفنية لما يتطلبه من جهد وتركيز .
     ويرى إبراهيم الفيومي أن فن القصة القصيرة : " ليس تقليدا للواقع ولا نسخة طبق الأصل أمينة عن الأشياء ، بل هو رؤية روحية تعيد خلق الواقع من جديد بغناء أكبر فتخلق واقعا جديدا أعمق من الواقع المباشر وأعظم ثراء .
    ويضيف الفيومي أن الفنان المبدع ، هو الذي يقوم بغربلة الواقع والتقاط ما يعبر من زاوية رؤيته بدقة وعمق بعيدا عن المباشرة والتسطيح، ولذلك فالقصة محكومة بقوانين صارمة تفرض على كاتبها أن يقدم ما يريد من صفحات محدودة للغاية .
    ويقول الفيومي أنه ليس من مهمة كاتب القصة القصيرة أن يكون معلما واعظا يواجه القارئ وجهة معينة بأسلوب مباشر  بل على الكاتب القصصي أن يتحاشى تقرير المعنى و أن يلجأ إلى التجسيم ، لأن التقرير من أشد عيوب القصة القصيرة.(2)


    بقراءة التراث النقدي القصصي في الأردن ما بين عام 1948م حتى عام 1967م نجد جيلين متمايزين يترأسان التراث القصصي هما أولا:
   جيل الرواد الذي تخطى أخطاء كتاب بدايات القصة القصيرة ، ومضوا في هذا الفن إلى مدى بعيد (من التطور والنضج والالتحام بالواقع الاجتماعي والسياسي).
     ويقف في وصف الرواد محمد سيف الدين الايراني بمجموعاته القصصية " مع الناس" 1959م و "ما أقل الثمن " 1962م و "متى ينتهى الليل " 1965م و "أصابع في الظلام "1971و عيسى الناعوري في مجموعته القصصية الأربعة وهي "طريق الشوك" الصادر عام 1955م ، و "خلي السيف يقول " 1956م ، و"عائد إلى الميدان " 1961م، و "أقاصيص أردنية " 1967م ، وأمين فارس ملحس في مجموعته" من وحي الواقع " 1961م وغيرهم من الكتاب .
     ومن أهم سمات الرواد قدرتهم على بناء الشخصية والحدث حيث انتقلوا بالشخصيات في قصصهم من النظرة الضيقة التي تناولت الشخصية من زاوية معينة في المرحلة السابقة إلى تناولها من زوايا أكثر خصوصية بينت الوعاء الفكري لكتاب هذه المرحلة وكشفت مجموعاتهم  النقلة النوعية الكبيرة من الواجهة الفنية التي أصلت القصة القصيرة من حيث الشخصيات والحدث. القضايا التي عرضتها الشخصيات القصصية من وجهة نظر الكتاب مثل     قضية الاغتراب الزماني والمكاني للنفس .
وقضية التمرد على القيم والعادات البالية في الوسط الذي تعيش فيه الشخصيات ، وعلى الاستغلال الطبقي ، وقضية الضياع الأخلاقي . وقد عكست القصة القصيرة هذه القضايا ضمن إطار الواقع من خلال مواقف خاصة شكلت قضايا المجتمع من وجهة نظر فردية ، بدرجة تستطيع معها أن تقول بأن الكاتب  وهو يتناول الشخصية المأزومة لم يمتد بها لتشمل أفراد المجتمع يعرضها ، وعندما يتناولها يتم التناول من زاوية معينة ، كما في عبث الأقدار لعبد الحميد ياسين ، وأن القصة القصيرة تناولت قضايا جسدت الواقع الإجتماعي ، كما أحسه الأديب. :(3)




    بعد الخامس من هزيمة حزيران عام 1967م تطورت حركة القصة وتنشطت ، فكانت مرحلة جديدة لها آثارها المادية والاجتماعية و النفسية فقد فتحت مجلة الأفق صدر صفحاتها لجيل الشباب ، فأسهمت في نشر القصة وتشجيع النقد لمختلف الفنون الأدبية وإجراء المسابقات ، وترجمة القصص .
    قد حرك هذا الاتجاه الواقعي مسار القصة القصيرة ممن الأفق الرومانسي السلبي الضيق إلى الأفق الإيجابي الرحيب ومن الكتاب الشباب خليل السواحري وصالح أبو إصبع وبدر عبد الحق فخري قعوار جمال أبو حمدان محمود شقير وسالم النحاس و رشاد أبو شاور و مفيد نحلة وغالب هلسا فاروق وادي وغيرهم الكثير .(4)















لماذا القصص النسوية نموذجا ؟
     عندما تكتب المرأة عن المرأة فعليها أن تبذل أقصى جهدها لكي تقدم لقرائها وبخاصة المرأة رأيها أو وجهة نظرها بالرجال على التجربة الطويلة والثقافة الواسعة العميقة و النابعة من سيطرة فكرية على أبعاد ميدان ما ومن خصوصية معرفية أتاحتها الممارسة والألفة وبعض من الحماسة المشروعة لذلك الميدان .وموقف القاصة هذه أو تلك هو السبيل الفعال للكشف عن مدى حرية القاصات الأردنيات وصدقهن في رؤاهن الفكرية والاجتماعية . ويظهر في نهاية الطريق أن دراسة وضع المرأة في الأدب الأردني هو حكم على الأديب نفسه .
  فإن علاقة النموذج الانساني ببيئته وبالآخرين في زمان ومكان محددين ، تشكل موقفا يكشف عن دواخل ذلك الانسان نفسه وعما يحيط به من أشياء ومخلوقات تكون بمثابة وسائل لنيل حريته أو عوائق تحول دونها .إن الأدب ليس مجرد انعكاس مرآتي لإعطاء صورة طبق الأصل صحيح أنه انعكاس لمجمل العلاقات الاجتماعية الاقتصادية السائدة فهو يشكل جزءا من البنية الفوقية التي يعيشها المجتمع ولكنه انعكاس واعٍ متطلع دوما إلى الأمام للوصول إلى الحالة الإنسانية الأرقى إن القاصة ( الأديبة ) ابنة بيئتها لذلك تعبر عما حولها .يرى عبد الله رضوان أننا نستطيع أن نلخص وجهة النظر الاجتماعية في الأردن للمرأة بثلاث رؤى:
أولها: النظرة السلفية الرجعية التي تتعامل مع المرأة بمنظار دوني من حيث تبعيتها الكاملة للرجل ، وكونها ناقصة عقل ودين والمرأة من ضلع أعوج إذا حاولت اصلاحه كسرته وهي حواء التي أخرجت آدم من الجنة.
ثانيها : وجهة نظر ليبرالية تعطي المرأة جزءا من حقها في العمل والمشاركة  الاجتماعية ولكن ليس إلى درجة المساواة مع الرجل ، أي أنها تبقى حريصة على ضمان سيطرتها على المرأة .
ثالثها: وجهة النظر التقدمية التي تتعامل مع الواقع الاجتماعي بنظرة تقدمية موضوعية ، والتي تؤمن بضرورة تفجير الصراع  باشتراك الرجل والمرأة معا ، لقلب النظام الاجتماعي الفاسد من أساسه.وإذا كان أصحاب الرؤية الأولى هم الأكثر انتشارا على إطار الواقع اليومي وأصحاب النظرة الأخيرة هم الأقل انتشارا عدديا فإن هذا يعكس نفسه على الأدب بما فيه القصة القصيرة حيث المرأة في غالب الأحيان ليست أكثر من عامل مساعد للقاصة والقصة  أو هي تابعة للرجل سواء كانت زوجة أو أما أو حبيبة ..إلخ .(5)



أولا : صورة المرأة الطموحة :
    الفتاة  الأردنية كما تصورها القصص ، تبدو ذكية ، مثقفة، طموحة، مصممة على تحصيل تعليمها الجامعي العالي مهما كانت الوسيلة ، ومهما كلف الثمن حتى إنها مستعدة أحيانا لأن تضحي بعواطفها ، و أن تقبل الزواج من غير فتى أحلامها في سبيل ذلك !
    هذا ما حدث لليلى بطلة أقصوصة "الدوامة " للقاصة  تريز حداد ، فقد رضيت أن تتزوج طائعة ، من رجل لا تحبه ، ويكبرها عشرين عاما. فقط لأنه استعد أن يتيح لها فرصة التعليم الجامعي ، الذي تحلم به ليل نهار .
    وأما بطلة أقصوصة " الربح الخاسر " فقد ألحت على والدها الفقير ، وأجبرته أن يدخلها الجامعة غير حافلة بالعبء الباهظ ، الذي أخذ ينوء به كاهله ! حتى إذا توفي فجأة اضطرت حينئذ إلى الزواج من رجل كهل في العقد الرابع كي تواصل دراستها الجامعية لكنها مع ذلك دفعت الثمن غاليا ، و ذلك لأنها عاشت معه حياة نكدة تعسة ، ومن هنا كان الربح خاسرا وإذا كانت الفتاة الأردنية الجديدة مصممة على تعليمها العالي كما رأينا ، فمعنى ذلك أنها  في الوقت نفسه مصممة على الوظيف والعمل ، ومشاركة الرجل في بناء المجتمع ودفع عجلة تقدمه ورقيه إلى الأمام . لذا يلاحظ أن جميع بطلات أقاصيص هذه المجموعة هن من المثقفات العاملات  فبطلة " اتركاني وحيدة " أديبة موهوبة ، تشارك صديقها الشاب كتابة القصص وبطلة قصة "همس الغروب " طبيبة متحمسة ، تخدم مع فتاها الطبيب في أعماق الريف ، وبطلة " التحديق في ملامح الغربة "موظفة جميلة يقع في غرامها مدير الشركة إلى درجة أنه يقبل أن يتزوجها غافرا لها زلاتها مع أحد الذئاب!
    على أن الفتاة الأردنية الجديدة ، وإن أصبحت في الغالب مؤهلة ...مثقفة موظفة عاملة إلا أنها على ما يبدو ما زالت تشكو كما تصورها بعض القصص من نظرة الشك والريبة ، التي ما زال المجتمع ينظرها إلى أي لون من العلاقة البريئة ، بينها وبين زميلها الشاب ، تقول الأقصوصة "دوامة" في شيء من التذمر "الفتاة دخلت الجامعة ، وشاركت زميلاتها العمل ، ولكن هذا المجتمع لا يعترف بالصداقة والزمالة بين الشباب والفتاة ، وما يزال يضع القيود !" (6)
قدمت هند أبو الشعر نموذجا آخر للفتاة / الابنة في صراعها مع رموز المجتمع المحافظة :الأب والجد والعم ، في سبيل الحصول على حقها في العمل الذي تريد ففي قصة " التبرير"  أراد رجال  العائلة للفتاة أن تعمل في التدريس ، لا لشيء إلا لأن بنات العائلات المحافظات يعملن مدرسات ، وتظهر الأم في هذا الموقف أيضا بصورة سلبية ، فهي لا تستوعب رغبات ابنتها ، وإنما تردد صوت الجد الذي يأخذ دوره ودور أبنائه ، ودور أحفاده في القرار ، وإن كان مصيريا خاصا بهم ،، فهي – الأم- تردد ما فرضه الرجال بضرورة اختيار أحد الأمرين إما العمل بالتدريس أو البقاء في البيت و لا خيار ثالث .
" هكذا إذن تريدني أن أصبح مساعدة نشيطة لها تفوح مني رائحة البصل والسمن وأنا أصبح يدي المتسخة بطرف مريولي الأنيق ، كما تفعل هي " حدثت البنت نفسها وردت بتحد رافضة كلا الخيارين ، وأما الأب  فيبدي استسلامه الواضح لرغبة كبار العائلة ، على الرغم من صوت الابنة المستلب !
" لماذا لا نعيش كما نريد ؟ لا كما تريد الناس ؟
إن جدي  وعمي هما أصحاب الأمر ، لقد جعلتني أنهي دراستي لأن جدي وافق ، وعمي أيد ، بعد أن بقيت يوما كاملا بلا طعام أو نوم ... ولو رفضنا لخفت أن تخالفهما أنا ابنتك أنت فقط .
     وفي قصة " العودة في الأماسي الشتوية الباردة" نجد الأم أكثر وعيا من زوجها وأكثر وعيا من ثم من ابنها ، فقد كان الأب  قبل وفاته يقبل باستغلال التجار له ، ويتهاون في حقوقه في العمل وقد تبعه الابن في ذلك راضيا مستسلما ، ولذا نجد وعي الأم يدفعها للوقوف في وجه ابنها محذرة إياه من مغبة السير في طريق أبيه هذه الأم بوعيها هذا نقدم إدانة لبعض الموروثات الاجتماعية السلبية المتمثلة في في استغلال أصحاب العمل والتجارة ، وضياع الطبقة العاملة ما بينهما ، وتبدو الكاتبة أكثر وعيا تجاه الجيل الجديد الذي يرفض مقاومة تلك الطبقة المستغلة ، فيقبل بالنيل الأسهل والأسرع فلا ينتهي الصراع نهاية حقيقية ، وإنما يكتفي الابن بإظهار مستوى من الفهم للحقيقة :لابد أن ملامحي تعكس صرامة الحقيقية .
لكن هذا الصوت ظل قاصرا عن الوصول إلا إلى صيوان أذن الأب المهزوم الذي اكتفى بالتأكيد : " ولكنهم أهلي
أنت أيضا ابنتهم .. أنت ابنة العائلة ... وكل بنات العائلة – كما قالت الأم معلمات ، ولذلك كان لابد أن ينطفئ فرح العالم في صدر البنت " وشعرت أن السنين تتخثر في جوفي ، وانني محنطة منذ آلاف الاعوام في قبو فرعوني رطب ... لا شىء يضايقني غير تذكر جدي وعمي يتداولان أمر عملي الجديد وهما يدخنان ويشربان الشاي
على الشرفة العالية من المساء .
    فهي إذن المشكلة الأولى للشباب ، التي تتلخص في ممارسة السلطة الأبوية من جانب الآباء وعدم تفهم الآباء لطبيعة المرحلة التي يمر بها الأبناء ، ويبدو الأمر أكثر تعقيدا – من المنظور القصصي المطوح – إذا ما تعلق بعلاقة المرأة بهذه السلطة الأبوية – إذ تمتد هذه السلطة لتشمل الجد والعم والأخ ، ولا بأس في هذه الحالة . (7)
 أن يحدد هؤلاء بوصفهم رموز المجتمع – ليس الأردني فحسب بل العربي عموما – الذكوري وجود المرأة باعتبارها – كما  ترى خالدة سعيد – وتوافقها الدراسة الحالية في ذلك – أن المرأة العربية كائن بغيره ، لا بذاته فلا بد لها في كل الأجيال   أن تنسب لرجل فهي إما زوجة فلان او ابنة فلان أو أم فلان أو أخت فلان ...
    تلتقط القاصة هند أبو الشعر  من الواقع صورة الإيجابية الواعية لحركة المجتمع من حولها ، والتي ترفض  أن تكون تابعة مهمشة في مسيرة حياتها ، بل أنها تسعى باستمرار وبكل قوتها إلى إثبات وجودها ، مع محاولة جادة وفعالة إلى التغيير والتأثير مهما كانت درجة التأثير قليلة ، وإن مجرد إدراك المرأة لما يحيط بها من أمور وقضايا ، ورفضها الدائم الانصياع والاستعباد من قبل الآخرين لدليل قوي على إيجابيتها واتساع مداركها.
       وقد ظهر النموذج الايجابي للمرأة في قصص عدة منها (الصورة ) و( الجابهة ) و( العودة في الأماسي  الشتوية الباردة ) ، و( الصفقة ) و ( الحصان ) و ( الغزال يركض باتجاه الشمس ) و ( الأقدام تمر بسرعة ) و ( عندما تصبح الذاكرة وطنا ) و ( المؤامرة ) و ( علاقة ) و ( القضية )  و ( السكين ) و ( انتظار ) و( لقاء ) و ( الرائحة ) و (بطاقات تأتي من بعيد ) و ( أسلاك شائكة ) و ( صقيع ) و ( منصف العمر ).
      وإن كانت نسبة الإيجابية في أدوار المرأة وقوتها تظهر متفاوتة في هذه القصص ففي قصة ( الصورة ) ترفض المرأة بطلة الانصياع والخضوع والتبعية بسلطة المصور المستبد الذي يرغب بتصويرها في صورة  مبتسمة كاذبة طالبا منها إدعاء الفرح ، ولكنها ترفض أن تكون صورتها إلا كما تريدها هي أن تكون ، فالمرأة هي هذا الموقف ، مثلت موقف المرأة القوية الإيجابية برفضها الانصياع والرضوخ للمستبد المتسلط وعندما اكتشفت البطلة أن هناك مؤامرة بين المصور والموظف الذي يصدر الهويات للموظفين ، تصر أكثر على المجابهة والتحدي من أجل أن تمتلك حريتها في اختيار ما تريد. 
       وهذا يتضح من خلال الحوار التالي بين البطلة والمصور في القصة " قال بلهجة آمرة : بل أنت بحاجة ماسة إليها !!- لا أريد هوية غير حقيقية اعتقد قاطعني وهو يصلح من وضع الكاميرا الكبيرة بملامح منتصرة – لا تعتقدي شيئا أنت بحاجة إلى هوية ! اسقط في يدي قلت فجأة بتحد غير مدروس . (8)
     لست بحاجة إلى صورتك .... عندي صورة قديمة ؟ أفسح الطريق امامي كان يهزا بي أحسست ذلك في النظرة الوداعية التي صاحبتني! وفي قصة( المجاملة ) يظهر دور إيجابي آخر للمرأة وهي تقف في مجابهة السلطة الظالمة ممثلة بمديرة المدرسة ، تصرخ في وجه الاستبداد والظلم (لا ) غير آبهة بالنتائج والأضرار التي ستلحق بها ، وقد وصفت – البطلة  - أخلاق من ينساق للسلطة الظالمة على غير هدى ( بأخلاق القطيع )  تسير دون وعي ، بل بأمر الآخرين المتسلطين تقول البطلة : في القصة " كان يجب أن أتحداها منذ زمن طويل ، أن أتحدى رمز السلطة : " أنت  لا تحسنين الإدارة " قلت بصوت أعلى مما سبق " أنت لا تحسنين إدارة المدرسة .
      أما في قصة ( الصفقة ) فإننا نقف مع دور إيجابي للمرأة ممثلا بموقف الفتاة صغيرة السن الواعية لأهمية الأرض وقيم التمسك بها وخطورة التخلي عنها ، دون أن يكون هناك حاجة إلى ذلك في الوقت الذي يغفل عنه الرجل المسن الممثل بشخصية العم ، تتساءل البطلة باستنكار : لماذا ...... لماذا ...... ألف ألف  لماذا؟
لا أقدر على فهمها هذه الأيام .... يا إلهي هذا الرجل لا يشعر بالفقدان ، وكلهم صاروا مثله ، يتخلون عن أشيائهم بسهولة ، حملقت في مسبحته الفسفورية وشعرت بغبائه ، تابعنه يتناول منديله الأبيض الكبيرة من جيبه بحركة آليه ، فقفزت إلى ذاكرتي صورته قبل أعوام طويلة ، بعباءته الثمينة القديمة ، يجلس في المضافة ، ومظاهر النعمة حوله ، كان سالم يومها لا شيء ، وكل شيء .... كان يعمل بيده ولا يملك غيرها  . 
لا أدري يا أمي .... لا أدري لماذا .... اتوقف عند هذه الأبواب المتخمة بالأشياء ، أتذكر أبي بيديه الخشنتين وقميصه المخطط يقف مثل أعوام أمام هذه الأبواب عينها ....الأبواب المتخمة بالأشياء ، ولا يتجرؤ على الدخول قلت لأبي ذات يوم وأنا أتعلق بيده الخشنة لماذا لا تملك متجرا مثلهم يا أبي"
      وفي إطار العميم والتجريد يظهر صوت المرأة قويا ايجابيا أقوى من كل الأصوات الأخرى ، تظهر صورة المرأة المؤمنة بقضايا الوطن ، الراغبة في أن تعيد العهد المشرق لأمتها تبين لنا القاصة ذلك من خلال استخدامها لتقنية الأصوات المتعددة في قصة ( الحصان ) تقول أحد الأصوات النسائية " اسكتوا جميعا وساعدوني .. بدأت أدلك ذلك القلب ... بدأت أدلكه واتحسس الدفء الذي يغمر المسافات التي ما زال يقطر منها العرق الدافئ " فالمرأة ترفض موت الحصان وتقول للجميع إنه مازال حيا لأن موت الحصان يعني موت الفارس ، الموت الحقيقي للأمة فتحاول شحن الهمة والعزيمة وإرجاع الثقة للجميع فتقول في نفس القصة : " عيناه تتحركان انظروا إليها .... إنهما تتحركان إنه لم يمت لا يمكن أن يموت لا يمكن "(9)
   



     وفي قصة ( انتظار) تواجهنا المرأة القوية المثقفة المتعلمة التي تناقش وتعبر عن انتقادها لما تراه من خلل وازدواجية حول نظرة الرجل المعلم لقضايا المرأة ، فتناقش وتحاجج وتبدي رأيها وتنتقد ازدواجيته التي يعترف بها أمام نفسه ولكنه يضعف عن مواجهة الآخرين بها ، تقول المرأة بجرأة : " اسمح لي بأنني لا أفهمك ... اهتز من الأعماق خاف أن يفقدها قال بهدوء بعد أن رسم ابتسامة باهتة على شفتيه : كيف لا أفهم كيف تتناسب درجة تعليمك المرتفعة مع مفاهيمك العتيقة حول المرأة ، أنت تتحدث بلسان جدك ...  يعرف ذلك ، يعترف به لنفسه ويرفضه في ذاته ، لكنه لا يجرؤ على المجابهة "
     أما في قصة ( الخيانة ) فنجد المرأة القوية التي تواجه زوجها بخيانته لها ، وترفض تلك الخيانة يسألها : ما بك ؟ أجيبيني ....يفجعه الصوت الميت : الرائحة – رائحة ماذا ؟ العفن .
     يبتسم ببرود ، تجاهد لتبعده ، فيشدها بقسوة من جديد : أرجوك لقلبك رائحة لا تطاق ، ألا تشم رائحة الخيانة ؟ انكسرت نظراته وتوقف " إن هذه النماذج من القصص تجلي شخصية المرأة القوية وتبين رجاحة عقلها واتزانها ، وما تتمتع به من قوة على مواجهة الظروف  من حولها .
وقد أبرزت سهير التل شخصية الفتاة الريفية في القصة "الذبيحة " وهي طالعة بقوة لا تهزها ريح القرية ، تقاوم وتتحدى . وهي الفتاة المتوهجة حيوية وشبابا التي ارتفع صوتها ضد الظلم ، وفي الوقت الذي خرست فيه أصوات الرجال ." قال الفلاحين قال؟!"
"المفضوحة" عاملة مدافع عن الشغيلة ، وضد مين ؟ ضد " الدكنجي " ياللي بتنزل قدامه شنبات الرجال" ولكن الفتاة تسقط أخيرا على مذبح العادات والتقاليد و" العيب " وجشع أصحاب الأمر من المتنفذين ، إلى جانب ضعف الأم و استسلامها ، وخوف الأخ وصمته وغياب العاشق تلاشيه أمام قوة شخصيتها ، ولقد برعت سهير التل في رسم الصورة الحقيقية للفتاة الريفية الجريئة المنطلقة ، والصورة الأخرى التي ارتسمتىلها في الأذهان بعد غيابها بشكل تحليلي غير مباشر نقف من خلاله على موقف الكتابة من مجمل المواقف السلبية التي عرضتها فرفضت دون مباشرة ، تعاطفت مع المرأة في القصة دون أن يظهر صورتها ، كما أبرزت دور البيئة مكانيا (عجلون) وزمانيا (أواخر السبعينات و أوائل الثمانينات ) ، وهذا من وجهة نظر أحد النقاد- مما يساعد على خلق المبررات لضرورية لتطور الأحداث بشكل منطقي ومقنع ، لأن البيئة في القصة القصيرة هي جغرافيا القصة وحياتها ومجتمعها .(10)
هذا على الرغم من وجود بعض المواقف غير المبررة بشكل كاف في القصة كعلاقة حسينية بوليد ، وإصرارها على تعليمه القراءة والكتابة ، في جو مشحون بالممنوعات والحصارات الاجتماعية المختلفة ، حيث تتعرض حياة المرأة للخطر ، في حال اختراقها لفكرة العفة ولو بالشائعة أو نتيجة الجهل .

    تتضح صورة المرأة المكبوتة  عند رجاء أبو غزالة ، المغيرة المسيرة اجتماعيا  بالقوة ، وهذه المرأة متمردة – أو تحاول التمرد – على محيطها الإجتماعي والسياسي تقول رجاء:" أحاول في قصصي أن أنير طريق المرأة وأهز شعورها الداخلي البليد –كما تقول- الذي يحدد من الصغر بتقاليد معينة لخدمة مآرب الرجل ، وإنها إنسانة قبل أن تكون امرأة بحكم الولادة ومسؤولة عن نفسها ، لذلك أحاول في قصصي إلقاء اللوم عليها بالدرجة الأولى ،   الحرية تؤخذ ولا تعطى ، وذلك بتحمل المسؤولية لا بإلقائها على الرجل إن القيد والعبودية وهمان ، العلم هو سبيل إلى الاختيار .(11)













ثانيا : صورة الزوجة :
     إن من يقرأ مجموعة  جواهر الرفايعة ويتأمل شخوصها و أحداثها ، ويرى أن معظم شخصياتها نسائية بامتياز ، فهل كانت جواهر تنطلق في هذه من رؤية خاصة بها ، أم أنها أرادت أن تعبر عن نفسها بقناع المرأة الأخرى- في بيئة محافظة ، وهي لا تزال في بداية الطريق تتحسس نتائج مثل هذا العمل وصداه ،- بأدق التفاصيل الحياتية التي كانت تشغلها ، ليجد القارىء أن الساردة قد عكست واقعها وصاغته حسب حاجات المرأة وظروفها وحياتها .
      وأنها عبرت عن رفضها المطلق لأوضاع المرأة وما تتعرض له من قهر واستلاب وقمع يومي من لدن الأب/ رجل البيت و الأخوة على الرغم من أنها كانت تتعايش رغما عنها مع هذا الواقع المرير وتحاول أن تتمرد عليه ؛ ولكن بنسب متفاوتة لا تستطيع بين لحظة وضحاها أن تخرج من عباءة الأسرة وتقاليدها وعاداتها وقيمها المتوارثة عبر الأجيال ، غير أن الساردة في المجموعة  استطاعت أن تكشف عناصر الصراع التقليدي بين المرأة والرجل بسرد متواصل ومباشر في بعض الأحيان ، وكأنها تتحدث من نبضها وعروقها عن اللحظة السديمة التي كانت تصل إليها المرأة في محيطها في وقت وصلت فيه المرأة خارج مجتمها إلى  درجة متقدمة من التعليم والحرية والاحترام .
      وهي لا تريد أن تخرج عن تلك التقاليد بمقدار ما ترغب أن يسمع رأي المرأة وأن يأخذ رأيها في أبسط حقوقها ، وهذه الرؤية تنبىء عن حالة القهر التي تعيشها المرأة في بيئتها وكانت تشير إلى العنف والشدة جراء ما تتعرض له حتى في أبسط الحوارات التي تتم بين الأم و الأب ، أو الأم و الأولاد ، أو الأخت و الأخ ، وهي معادلة أطرافها الرجل والأم والأخوة ، وطرفها الأخر الأم والفتاة ، كل هذه النماذج تؤكد حالة التشظي و ازدحام الأفكار السوداء في عقل المرأة جراء ما تواجهه يوميا ، ومجرد أن تمر على بعض العبارات في المجموعة تكتشف مدى المعاناة التي تتعرض لها الساردة " أبي وأخواني الغلاظ الشداد" وتكررت هذه العبارة في أكثر من موقع في المجموعة ، ولها دلالة على الصراع المحتدم بين القمع الرجال والنساء المقموعات ، الذي لا حوار فيه ولا نقطة لقاء لغة الأوامر ، في مجتمع كهنوتي لا يجوز فيه النقاش أو الحوار تابو الرجل فيه الدائرة مغلقة لا ترسل ولا تستقبل ولا تعرف إن كانت المرأة إنسانة لها حقوقها أم لا ، بل إنه ما زال يحرم على المرأة أن تتنفس دون موافقته.
     لقد تعددت صورة المرأة في المجموعة ، فوجدناها جدة وأما وحماة وصبية و أرملة وعاقرا ووحيدة وعاشقة وعاملة ترسمها بعناية وتقارنها بغيرها من النساء خارج مجتمعها ، وهل كانت ساردة ترغب بوضع مقابل لنماذجها مع نماذج المدينة ، وهذه النماذج على بساطتها وشكلها هي صور لنساء المجتمع في الريف الأردني أنى كان . (12)
  
تجسدت المرأة الرومانسية في شخصية الزوجة في قصة " رجل حقيقي "، إذ وجدناها تعيش أحلامها وعالمها الرومانسي الجميل ، تجسد في أحلام فتيات الغجر الصبية ، وبدا هذا الاتجاه خافتا في معظم الشخصيات النسائية والروائية .
    شخصية الزوجة  عند سهير التل في قصة " الحارس" تطرح القاصة نموذج الزوجة في وضع غير متكافئ واختصرت المأساة في علاقة مؤسسة على نقيضين ولا يجمع بينهما سوى فراش خشن، وظروف أخرى تتعلق بطبيعة عمل الزوج وهو الحراسة ليلا ، الأمر الذي جعله لا يقضي مع زوجته سوى ليلة العرس مما جعل الشكوك تكبر في رأسه ، فتبدأ منذ منذ الغمزات التي يقابله بها الجيران والأصدقاء، إلى أن ينتهي الأمر إلى بقعة من الدم على رصيف الشارع تنبئ بأن حارسا ليليا قتل لصا وجن.
    وفي قصة " شجرة المجنونة " لرجاء أبو غزالة تطرح القاصة جانبا من جوانب الحياة الاجتاعية لزوجة مهملة من قبل زوجها ، المشغول بصفقاته التجارية و أجوائه الخاصة حتى تقدم هذه الزوجة على الانتحار غير مرة ، غيرة عليه ، إلى أن تستسلم لأمراضها النفسية والجسدية التي ينتقل كثير منها إلى ابنته ، التي تخفق هي  الأخرى في زواجها مرتين ، بسبب رفضها لسيطرة المجتمع المتمثلة في الأب والزوجة ، فتقول لصديقاتها وهي تحبب إليها مهنة الطب النفسي :" الموضوع بحاجة لجرأة ... خذي مثلا أبي ،زوجي الأول والثاني وأخي  كلهم مرضى بحب السيطرة والاستبداد ، قيس على ذلك مجتمعنا.(13)









 ثالثا: صورة الأم :
    في قصتي "الثوب"و"الغجر والصبية "  لجواهر الرفايعة تبدو صورة الأم مقموعة وقامعة ، متعبة وتعيش في شقاء متواصل ولا تجد فسحة للراحة في بيت رجل قامع لا يعرف معنى الشفقة ، وقد تسللت إليها منه أفكار القمع والثورة حين تقول في قصة الغجر والصبية " البنت ستعيش هنا وتموت هنا " ، والأم هنا تهدد بناتها من أن لا مجال للعيش خارج أسوار الحريم ، إنه السجن البيتي الذي ولدت فيه ، وإذا لم تتزوج حبيسته حتى الموت ، وهذا المعنى تكرره الأم في المجموعة نفسها حين تقول :"أنت بنت ، وخروجك اليوم وحدك يثير الناس ، أنسيت كيف يفكر أهل القرية ؟" وهي صورة لا تبتعد عن صور تعامل الجاهلية مع البنت التي كانت تتعرض للوأد ، لا يحق لها الخروج من بيتا خوفا من كلام الناس و كأن هذه البنت هي الوحيدة في مجتمع القرية .(14)
    صورة الأم الأردنية وتمثل الأم في قصص هند أبي الشعر مرحلة من مراحل وعي المرأة الأردنية والعربية عموما كما كانت تشكل رمزا نبيلا لتقييم الأسرة في المجتمع ، كما في قصة العودة وأشياء  أخرى حيث تشكل مركز جذاب لكل العلاقات الأسرية الحميمة ، فإليها يمتد حنين الابن المغترب ، حنينه إلى ظلالها الوارفة و خضرتها وعطائها ، إلى أمنها و سلامها و دفء موقدها العتيق ورائحة طعامها الشهية ، فتداعت إلى ذاكرته كل الأشياء المتعلقة بتلك الشجرة الضاربة في أرض البيت وحينما وصل " أطل وجهك كما توقفت ، حملق في وجهها البخيل بكل تفصيلاته ..خلاياه كان وجوه أخرى تتفحصك لم تقل شيئا ، انخرطت أنت بالبكاء ، ولكنها لم تبك ...كان الذهول يتفش في العينين سمعتها تردد اسمك مرات بصوت ضعيف أخذ يتعالى .. لقد أيقنت الآن أنك تعيش لحظة حقيقية صادقة لا تريدها أن تنتهي ، و أنت تحس بتسرب الدفء من موقد أمك العتيق وتشم رائحة الطعام كما كنت تفعل وأنت صغير .
هذه الصلابة وهذا الثبات في مواجهة الأخر المضني بتعب الغربة ، وجعل الأيام تشكل معادلا للوطن ، هي الوطن الذي لا يهتز بطول الانتظار .
    وفي قصة " العودة في الأماسي الشتوية الباردة" نجد الأم أكثر وعيا من زوجها وأكثر وعيا من ثم من ابنها ، فقد كان الأب قبل وفاته يقبل باستغلال التجار له ، ويتهاون في حقوقه في العمل وقد تبعه الابن في ذلك راضيا مستسلما ، ولذا نجد وعي الأم يدفعها للوقوف في وجه ابنها محذرة إياه من مغبة السير في طريق أبيه هذه الأم بوعيها هذا نقدم إدانة لبعض الموروثات الاجتماعية السلبية المتمثلة في في استغلال أصحاب العمل والتجارة ، وضياع الطبقة العاملة ما بينهما .(15)

كما نلحظ أيضا شخصية الأم الإيجابية ، الواعية لخلل النظام الطبقي والثائرة في وجه الظلم الناتج عنه من خلال قصة ( العودة في الأماسي الشتوية الباردة ) وهي ترفض استغلال ابنها من قبل الآخرين  ولا تريد أن تكون صورته مثل صورة أبيه بطيبته الزائدة وقد دار بينهما الحوار التالي : " لا أدري لماذا احترقت انفعالها فجأة .... كنت استعد للدفاع عن طيبة أبي عندما أضافت تتحداني :  وأنت تفعل الشيء نفسه ...... هل تستطيع أن تعتني بالسبب الذي يجعلك تتعامل مع تجار هذا الشارع بثقة واطمئنان ....

وتبدو الكاتبة أكثر وعيا تجاه الجيل الجديد الذي يرفض مقاومة تلك الطبقة المستغلة ، فيقبل بالنيل الأسهل والأسرع فلا ينتهي الصراع نهاية حقيقية ، وإنما يكتفي الابن بإظهار مستوى من الفهم للحقيقة :لابد أن ملامحي تعكس صرامة الحقيقية .
كانت أمي ترقبني ..لابد أنها فهمتني الآن ... ما زالت عيناها مغلقتين بي تتابعان عضلات وجهي .. لا شك بأنها تتوقع منى قرارا حاسما قلت أخيرا بهدوء مغلوب على أمره : أمي إني جائع ، فالأم هنا تبدو أكثر ايجابية من الرجل ، وأكثر وعيا وقوة في مواجهة ما يلقاه الفرد في المجتمع من ظلم ومصادرة لحقوق الضعفاء ، أو الذين قبلوا أن يكونوا ضعفاء . ويتكرر نموذج هذه المرأة الممثلة وعيا بما يحيط بها من أخطار في القصص أخرى لهند أبي الشعر بصورة مختلفة ، ففي قصة "الجرذان " يطلق صوت الأم يتبعه صوت البنت بضرورة التخلص من الجرذان/ الخطر قبل أم يستشري خطره .(16)
     النماذج عن المرأة في قصص سهير التل شخصية الأم فقد رسمت القاصة في قصة " الذبيحة " صورة واقعية للأم الأردنية الريفية ، المستسلمة الراضية بقدرها رغم معرفتها ووعيها بحائق  الأمور ، وتحديدا معرفتها بحقيقة مقتل ابنتها وملابساته ، فهي لم تقدر إلا على صوت يرتد إلى داخلها " آه يا ابنتي ، لا أملك غير دموع الحسرة ، ابكيك سرا ، ومن يجرؤ على بكائك علنا يا زينة الصبايا ؟ أبوك قال :لا من شاف ولا من دري ، صوتها مخنوق ، ولا تستطيع مجرد الرد على الحاح ابنتها و توجعها ، ياما قولي لبوي حرام أقعد بالبيت والمدرسة مش بعيدة ، ياما قولي لبوي الدكنجي سافل وبيسرق قوت العيال ، ياما قربت أوصل ، والجامعة مش بعيدة ، ياما ، ياما .
    ويحدد الابن في القصة نفسها موقف أمه المؤسي بقوله : " يا أمي لم يكن أحد ليكترث بمشاعرها  ، و إن كانت هي المعنية أولا و أخيرا " غير أنها لا تملك غير الانكفاء على وعيها ، يقول الابن أيضا : عندما عدت إلى البيت كانت حسينة تضرب ، ولم اجرؤ على السؤال ، كانت أمي متقوقعة في زاوية الغرفة كشوال حطين محروق ".
وفي قصة " يحيى "  تبدو الأم العربية نموذج الوعي الذي ينير طريق الغار في لبنان حيث تسأل الراوية الصبي عن المكان الذي أتى منه فيجيبب : من الجنوب ، وتسأله :
-       أي جنوب ؟
-       الأرض البعيدة القريبة من اليهود.
-       وبيروت هل هي بعيدة عنهم .
-       لا ، لكن أمي تقول إنه يوجد هنا سفارات وتشتري مني الزائد (الجرائد) وحينما يقرر الصبي وأهله الذهاب إلى الجنوب تسأله الراوية :
-       اليهود  ؟ فيجيب: تقول أمي إنهم أصبحوا في كل مكان .(17)

رابعا: صورة المرأة المتسلطة :
    أن هذه الصورة للمرأة لم تظهر إلا في ثلاث عند هند أبو الشعر القصص المدروسة هي ( المطر يغسل كل شيء ، المجابهة ، صبيحة يوم الجمعة ) وربما تتعمد القاصة في تقليل هذه الصورة بما يتماشى مع الواقع ؛ فالمرأة في الطبقة المتوسطة والطبقة الفقيرة على الأغلب غير متسلطة بل مسلوبة الإرادة أمام الآخرين بسبب الظروف المحيطة بها وقلة امتلاكها للمال ، أو المناصب الإدارية العليا التي تجعل منها امرة متسلطة ، ظهرت هذه الصورة في قصة ( المطر يغسل كل شيء ) فقد صورت القصة امرأة من الطبقة البرجوازية صاحبة منزل ثرية تمتلك القطع الفنية غالية الثمن ، تطرد خادمتها العجوز بقسوة وبعنف لأنها كسرت قطعة فنية في منزلها فتواجه هذه العجوز الضياع والتشرد ، والخوف لقد صورت القاصة هذا التمرد الروحي من خلال سلسلة التداعيات التي تعرض صور المخيم والطائرات الإسرائيلية ، وأحشاء الموتى المندلقة في الطرقات قالت وهي تنحني إلى الأرض لا أعرف كيف سقطت من يدي يابنتي ... تحركت المرأة نحوها بعصبية كل ما فيها كان ينتفض ، أصبحت تعرفها تحب الأشياء الجميلة الثمينة ، وتعرف كيف تقتيها سمعت صوت المرأة يمتلىء فجيعة أولا :أنا لست ابنتك ، ثانيا أنت مطرود منذ الساعة ابتلعتها دائرة الكوابيس الصعبة .... كان دوي الطائرات يملأ الجو حولهم .... رأت طعام الأشياء الرخيصة يتناثر في ساحة المخيم أما  الصورة الثانية للمرأة المتسلطة تتمثل في ( مديرة المدرسة التي تتحكم بالإدارة بشكل ظالم غير عادل .(18)



خامسا : صورة المرأة العاملة :
      نموذج المرأة العاملة  عند هند أبو الشعر وقد استقطب قطاع الخدمات والقطاع الزراعي الأغلبية الساحقة من النساء في البلدان العربية كافة ، وصورت القاصة معاناة هذه الشريحة من النساء في الأردن في قصة " شقوق في كف خضرة " نلتقي بجانب من معاناة المرأة الريفية حيث تخرج الفتاة للعمل في الأرض الجافة في الغور البعيد ، فيصيبها الجفاف هي الأخرى " أناملها المسطحة الغامقة شفاهها البارزة في وجهها ...
    أطراف كعبيها ... لا شيء إلا الجفاف " ، الجفاف الذي يدفع بها قربانا يحفظ ما تبقى : الأرض الجافة والأفواه الكثيرة . ولذلك كان لا بد من زجها مرة أخرى في جفاف من نوع آخر " اعملي عندهم هذا العام فقط ، لا أخاف أن أفقد الأرض"
     حصلت صورة أبيها ، وارتدت حذاء أمها وغاصت في برودة وجفاف آخر ، يتردد في حلقها ، رغم سبيل الماء المتدفق على رأسها ، لكن صوتا من داخلها يرفض صوتا من داخلها يرفض الرطوبة رغم شقوق كفها اليمنى والجلد الغامق المنكمش في كفها الأخرى ، إذا ما زالت تفتقد الندى ... لو أنها الآن بين الخضار الندية عند الفجر .. لو تغوص أقدامها في التربة الساخنة اللينة تطلعت من النافذة الجديدة ..افتقدت أكوام اللبن المتشقق.
        وهذا البناء النفسي العميق لدى شخصيات هند أبي الشعر يكشف عن ارتباط المرأة القوي بالأسرة والأرض ، رغم كل الجفاف الذي تلاقيه فيها ، فهي قد اعتادت قسوة الواقع، حتى لم يعد ما تلاقيه من وفرة في الماء وطرارة في العيش في البيت الذي تخدم لم يعد يعني لها أكثر من مثير لذكرياتها القريبة في البيت الفقير والأرض الفقيرة . (19)






سادسا : صور أخرى للمرأة في القصص:
وفي قصة لهند أبو الشعر( تبغ وشعر وأشياء أخرى ) تختلط أحزان  العواصم العربية على أرض العراق، صورة المرأة اللبنانية متأذية من الدخان المنبعث من سيجار الرجل التونسي وصورة المرأة العراقية التي تخفف عنه ، ويتجرأ التونسي بتقديم وردة للبنانية قائلا : هذه وردتنا جميعا ليست ملكا لأحد سنشترك جميعا في الرائحة .
وهي فرضية لمفهوم الاشتراكية بين الدول العربية .(20)

ففي قصة "المطاردة " نلتقي بشخصية الحماة وكنتها . فالحماة تكره زوجة ابنها وتحاول الإيقاع بها ، والاحتفاظ بالابن حتى بعد زواجه .فالحماة تصور ذلك إلى خراب بيوتهم وأما زوجة الابن فهي مظلومة . كما كبرت القاصة عنها في القصة أو بالرغم من أنها فتاة جامعية ومثقفة إلا أن انهماكها برد مكائد " ميرة" عن بيتها وحياتها الزوجية ، وقد حولها إلى فزاعة كروم تهتز في مهب الريح ."
     وهذه الزوجة استدرجت استدراجا إلى معركة يكون الزوج فيها هو الضحية الحقيقية ، و أم الأم – الحماة – فإن مؤامراتها على حد تعبير العمل في القصة هي نتاج عقدة اضطهاد قديمة استبدلتها بالاستبداد.(21)
وقد توزعت نماذج المرأة في الروايات والقصص بين المرأة الخاضعة والمتسلطة والفضولية والمرأة المثقفة ، ومثلت المرأة الخاضعة معظم النماذج فهي تخضع لسلطة الأهل والجماعة ، وتلتزم بالأعراف والتقاليد ولا تخرج عليها ، وهي مراقبة دائما وتبقى تحت سمع الأسرة والأهل و الجماعة والتقاليد والعادات خاصة في القرية والريف عموما والمدينة في بعض الأحيان ، والمرأة الريفية / القروية  خاضعة دائما سواء أكانت زوجة أم بنتا ، في حين تخضع المرأة في المدينة وتحاول أن تفلت منه إن استطاعت . وحضور هذه المرأة غالبا ما يكون سطحيا وثانويا في الريف والقرية ، في حين يتبدل الوضع في شخصية المرأة  في المدينة وتصبح بعد حين متحركة ومتغيرة كما حصل لناديه الفقيه فيما بعد ، والملاحظ على نموذج المرأة هنا أنه يعيش في ظل أسرة  متماسكة خاضعة لسلطة الأب المطلقة والجدة في المقام الثاني .
أما المرأة الجريئة ، فهي امرأة جميلة ، تقوم بكل ما هو مستغرب ومستبعد وغير مألوف ، وتخرق الأعراف الاجتماعية بما يستفز الآخرين.

وتبدو المرأة المتسلطة ، شخصية ثانوية في جميع الروايات والقصص ، وهذا النموذج تجسده الأم في غياب الزوج والجدة وهنا الأم لا تسمع كلام ابنتها فلا تحاورها ، وهمها أن تبحث هي عن مصلحة ابنتها فلا تعير أي اهتمام لرأيها ولا تستشيرها في زواجها ، وتعاقبها أشد العقاب إذا خالفت رأيها ، أو اكتشفت أن لها علاقة مع طرف الأخر وهذا الدور تتجسد به الجدة ايضا ترفض صوت زوجة ابنها وترفض مصالحة ابنها اذا رفض رأيها خاصة إذا احضرت عريسا  لحفيدتها ، هذا النموذج نراه في دور الأم والجدة في الغجر والصبية .(22)
















دراسة في " طقوس أنثى " لسامية عطعوط
     الصورة الذهنية تزاحمت بفعل هاتين المفردتين: طقوس وأنثى ، فالطقس وكما تحمل الذاكرة هو فعل إجراء فردي وجماعي له ذلك الخاص من الإيقاع المدروس التواتر المرتاح، الأجواء الغيبية السحرية ، له تلك الرائحة وذلك النغم، الألوان والتشكيلات له الجمالي في القدسي وله وقبل كل هذا وذلك ، هذا المفرط في الاحتفالي حتى ولو توسطه الموت مجسدا في نعش .
    والطقس ، هو ذلك الحدث المدروس المنظم والمنتظم الجماعي في غالبيته الاجتماعي في حقيقته السياسي في رسالته هو فعل يقام مدروسا موزونا دقيقا وبالتالي حريصا على تأكيد مجمل المتوارث في شكل العلاقات بين أفراد وجماعات ومؤسسات المجتمع.
وهو ومن خلال إضاءته للأخلاقي للقدسي وبالتالي للسياسي، يؤكد ويساهم على بقاء القائم ويعيد دورة إنتاجه محاولة في التعريف غير متكئة. 

     وكما الطقس ، وكذا الأنثى ،مصطلح مفردة محملة في اللامحدود من الصور والإسقاطات ... وهو، هذا المصطلح كسابقه ، و رغم المشير الجمالي على السطح منه يحمل في العمق وفي أغلب الموروث من المكتوب المحكي في المثل الشعبي وفي العظة النقيض ... هو مصطلح يشير إلى الغواية ، اللاخلاقي الجسدي المبتذل .
الكوابيس- فالإيقاع يصر قويا والمفردات تصر وغياب مفردات يصر وبنية الجمل تصر على كابوس قوامه المدينة والإنسان .
    إذن ، هذا المصطلح المركب "طقوس أنثى" يفرض التهيؤات ، الاسقاطات، يوحي يدل ينشط المتخيل يوشي بالإيقاع يهيء لاستقبال الروائح الألوان التجسيد والتشكيل ، وكل أنواع التسميات، إنه يهيء لكل اتساع في المتخيل القادم من قلب الموروث .
    و من المتوقع يحدث إنكسار ينتصب الشرخ ومع متابعة القراءة يبتعد الشق الأول- صفحة الغلاف- وتسارع القراءة في اتجاه الشق الآخر . يهوي الإطار :" طقوس أنثى " في ظلام وتتعجل القراءة الدخول في كابوس – دوامة. (23)
التوثيق :
(1) ابن منظور ، لسان العرب ، دائرة المعارف ، صفحة 283.
(2) . منال عبد اللطيف حسين خليل، صورة المرأة في القصة القصيرة للأدبيات في الربع الأخير في القرن العشرين ،رسالة ماجستير، الجامعة الأردنية ،2005م، ص 14
(3) المرجع نفسه ،ص15
(4) د.حسن عليان، بداية نشأة القصة القصيرة في الأردن وأبرز كتابها ، أوراق ملتقى عمان الثقافي الثاني 22-25/8/1993م ص 28
(5) المصدر نفسه، ص29
6)  انظر  رحمة بنت أحمد الحاج عثمان ، صورة المرأة  في القصة القصيرة في ماليزيا والأردن  دراسة مقارنة ، رسالة ماجستير، الجامعة الأردنية ، 1997م، ص 18-19
(7)  المرجع نفسه، ص28- 30
(8)المرجع نفسه ،ص 20
(9) نوارة جاسم خالد نوارة جاسم خالد ،القصة القصيرة عند هند أبو الشعر / دراسة موضوعية وفنية ، ص 28
(10) المرجع نفسه ص 29
(11) رحمة بنت أحمد الحاج عثمان ، صورة المرأة  في القصة القصيرة في ماليزيا والأردن  دراسة مقارنة، ص32
(12) د.محمد أحمد القضاة، صورة المرأة في الرواية ، دراسات ، العلوم الإنسانية والإجتماعية ، المجلد 37، العدد 1 ،2010م ،صفحة 60.
13) رحمة بنت أحمد الحاج عثمان ، صورة المرأة  في القصة القصيرة في ماليزيا والأردن  دراسة مقارنة، ص33
(14) د.محمد أحمد القضاة، صورة المرأة في الرواية ، صفحة 60-65
(15) رحمة بنت أحمد الحاج عثمان ، صورة المرأة  في القصة القصيرة في ماليزيا والأردن  دراسة مقارنة، ص20
(15) رحمة بنت أحمد الحاج عثمان ، صورة المرأة  في القصة القصيرة في ماليزيا والأردن  دراسة مقارنة، ص 34
(16) نوارة جاسم خالد نوارة جاسم خالد ،القصة القصيرة عند هند أبو الشعر / دراسة موضوعية وفنية ،ص28
(17)  انظر رحمة بنت أحمد الحاج عثمان ، صورة المرأة  في القصة القصيرة في ماليزيا والأردن  دراسة مقارنة، ص20
(18) نايف النوايسة، صورة المرأة في قصص هند أبو الشعر،جريدة الغد  27/ 4/ 2012.
(19) رحمة بنت أحمد الحاج عثمان ، صورة المرأة  في القصة القصيرة في ماليزيا والأردن  دراسة مقارنة، ص 34
(20) د.محمد أحمد القضاة، صورة المرأة في الرواية ، صفحة 60-65
(21) فخري صالح ، المرأة قاصة ، أوراق عمان الثقافي الثاني 22-25/ 8/1993م ،صفحة 270












المصادر و المراجع :
1. رحمة بنت أحمد الحاج عثمان ، صورة المرأة  في القصة القصيرة في ماليزيا والأردن  دراسة مقارنة ، رسالة ماجستير، الجامعة الأردنية ، 1997م.
2. منال عبد اللطيف حسين خليل، صورة المرأة في القصة القصيرة للأدبيات في الربع الأخير في القرن العشرين ،رسالة ماجستير، الجامعة الأردنية ،2005م.
3. نوارة جاسم خالد نوارة جاسم خالد ،القصة القصيرة عند هند أبو الشعر / دراسة موضوعية وفنية ، رسالة ماجستير ، جامعة آل البيت ،  2009م.
4. ابن منظور ، لسان العرب ، دائرة المعارف.
5. د.محمد أحمد القضاة، صورة المرأة في الرواية ، دراسات ، العلوم الإنسانية والإجتماعية ، المجلد 37، العدد 1 ،2010م .
6.    د. حسن عليان     ، بداية نشأة القصة القصيرة في الأردن وأبرز كتابها ، أوراق ملتقى عمان الثقافي الثاني 22-25/8/1993م .
7. نايف النوايسة، صورة المرأة في قصص هند أبو الشعر،جريدة الغد  27/ 4/ 2012.
8. فخري صالح ، المرأة قاصة ، أوراق عمان الثقافي الثاني 22-25/ 8/1993م .









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق