الجمعة، 22 فبراير 2013

المسرح في السودان



الجامعة الأردنية
كلية الآداب
قسم اللغة العربية
الدراسات العليا / ماجستير

                                        


تقرير " المسرح في السودان "

مقدم لمادة فنون النثر العربي الحديث
أستاذ المادة : الأستاذ الدكتور محمد القضاة

الطالبة : نوال موسى محمد اشريتح
العام الدراسي 2013/2012














عمان – الأردن

   " كتب بدر الدين حسن علي ثلاث مقالات مهمة عن المسرح في السودان ، نشرتها جميعا مجلة :( الأقلام) العراقية في ثلاثة أعداد الأول بتاريخ 1977 والثاني بتاريخ سبتمبر 1977 والثالث بتاريخ فبراير 1978 م .
     وهذه المقالات المهمة هي كل ما استطاع علي الراعي أن يعثر عليها من مراجع كي يثبت النشاط المسرحي في بلد عربي واعد ومبشر وهو السودان فيقول الأستاذ بدر الدين : إن تاريخ المسرح السوداني يبدأ في عام 1902 ، حين كتب عبد القادر مختار أول مسرحية سودانية هي (نكتوت ) ومعناها: ( المال ) وقد أشار كاتب المقال إلى أنها أول نتاج سوداني كما ورد في كتاب (حياتي ) الجزء الثاني للأستاذ بابكر بدري .
     ويقول الأستاذ بدر الدين : إن المسرحية – على أهميتها التاريخية – لا تمثل إلا ظاهرة معزولة لا أثر لها ، والمغزى الوحيد الذي تشير إليه  أن الإنجليز كانوا أبعد نظرا من المستعمرين الأتراك ، فسمحوا لبعض النشاط الفني والثقافي بالقيام في السودان ، على عكس المستعمرين الأتراك الذين كانوا هم أنفسهم غير مثقفين ، وبالتالي كانوا أعداء الثقافة .
    وتلي الإشارة إلى ( نكتوت ) ، إشارات مخلفة إلى نشاطات مسرحية مدرسية في السودان تمت ما بين السنوات 1905-1915 . فقد مثلت مدرسة البنات للرسالة الكاثوليكية في أم الدرمان مسرحية أدبية ضمن ألوان أخرى من النشاط المدرسي شمل إلقاء الخطب وعرض الأشغال اليدوية.
    وفي عام 1905 نشرت جريدة السودان بتاريخ 5 أكتوبر أن ( جمعية حب التمثيل ) ستقيم ليلتها الخيرية في قهوة الخواجا لويزو حيث يقوم أعضاؤها بتمثيل بعض المسرحيات الهزلية بالإنجليزية والعربية إلى جانب  فقرات موسيقية يشملها الحفل .
     وفي 15 نوفمبر 1909 نشرت جريدة السودان خبرا عن مسرحية عرضت باسم : ( هفوت الملوك ) وتستمر أنباء المسرح في جريدة السودان على هذا المنوال فتذكر مسرح ( الخواجة لويزو) .

    لكن هذه النشاطات المسرحية كات متقطعة ولم تكن تيارا متصلا ، وأن مقدميها كانوا وافدين على البلاد آتوا من الشام  ومصر .
    وفي فترة ما بين 1903- 1915 بدأت محاولات في التأليف المسرحي على يد الأستاذ إبراهيم العبادي الذي كتب ( عروة وعفراء ) بالشعر العامي وقد استمدت مادتها من التراث العربي القديم .

       ويشير الأستاذ حبيب مدثر في بحثه : ( نحو مسرح سوداني ) الذي نشر في مجلة الخرطوم ، إلى أن فن المسرح قد نقله إلى السودان جماعة من الأساتذة المصريين الذي عملوا في أول هذا القرن بالتدريس في كلية غوردون التذكارية .
      وكانت أول مسرحية لهم بعنوان : ( التوبة الصادقة ) مثلت عام 1912 والمسرحية مصرية والممثلون مصريون وبطلها قاض مصري قام هو بنفسه بإخراجها .
      وفي عام 1918 قام نادي الخريجين وتكونت جماعة صديق فريد للمسرح ، وظلت هذه الجماعة تقدم مسرحياتها العديدة خمس عشرة سنة . وقد أشار الأستاذ حسن بخيلة في كتابه : ( ملامح من المجتمع السوداني ) إلى نشاط تلك الجماعة ، وقد كان فريد أقوى ممثل سوداني اعتلى الخشبة ، وقد أدى الكثير من المسرحيات واتجهت الجماعة إلى عرض المسرحيات التاريخية هربا من وطأة الاستعمار الذي كان لا يسمح بأي محاولة تعرض بالنظام السياسي الاستعماري ، لهذا اتجهت الجماعة إلى التاريخ أو المسرحيات الأدبية وبينهما مسرحيات شوقي الشعرية ، وأجادت الجماعة تمثيل ( مجنون ليلى ) على وجه الخصوص وأضافت إلى برامجها مسرحيات عالمية معربة مثل مسرحيات شكسبير : ( أنطوني و كليوبترا) (ليوليس قيصر ) (تاجر البندقية).
     ولم يقتصر عمل الجماعة في العاصمة بل كانت الفرقة تسافر في مناسبات الأعياد الدينية وخلافها لعرض مسرحيتها في مدن وأقاليم أخرى .
     لكن الأستاذ حبيب مدثر كان يعيب على هذه الجماعة استخدمها الأسلوب الخطابي الذي اعتمدته الفرقة كوسيلة فنية لها ، وربما كان لهم بعض العذر في هذا ، إذ أن الخطابة ضرب من ضروب التنفيس عن الثورة المكبوتة .
   وكان لهذه الجماعة بعض المسرحيات الاجتماعية (كالبتول ) أو ( الغيرة )  وقد اصطدمت الفرقة بالصعوبة التقليدية : ندرة أو انعدام العنصر النسائي ، وقد لجأت الفرقة إلى الحل التقليدي كذلك وهو : الرجال في أدوار النساء .
    ولم تلبث الجماعة أن انفضت عقب اعتزال صديق فريد وبعد أخذ الاستعمار البريطاني يتعسف في معاملته للفن المسرحي عقب الثورة الوطنية التي هبت عام 1924م وظهر في أفق المسرح السوداني نجم جديد هو عبيد عبد النور أحد خريجي الجامعة الأمريكية ببيروت ، وقد بدأ نشاطه بين الطلبة غوردون ، فأخذ يقدم مسرحيات قصيرة ذات أصل أجنبي ، جعل يسودنها ويقدمها لجمهوره.
   وكان عبيد يقدم مسرحياته تحت شعار :( ليالي الأنس ) وقد عرض عبيد مسرحية قصيرة ( المأمور والمفتش ورجل الشارع ) ثم استدعي عبيد لمقابلة نائب مدير المخابرات الذي طلب إيقاف المسرحية بدعوى أنها خطيرة على الأمن ، وهكذا توقف نشاطه المسرحي وهو في بدايته .
     وفي عام 1932 كتب خالد أبو الروس أول مسرحية سودانية خالصة، وكان أن ظهرت مسرحية : (تاجوج والمحلق ) وهما شخصيتان عاشتا قصة حب مأساوية، ويقول الأستاذ بدر الدين حسن علي إن المسرحية – رغم بدائيتها- تسجل خطوتين مهمتين هما : الموضوع الوطني ، والاتجاه إلى التراث ، وللمسرحية فضل آخر وهو الخروج من العرض المسرحي المدرسي الضيق إلى رحابة الأندية الرياضية ، إذ كون خالد فرقة بنادي الزهرة الرياضي ، عرضت فيه المسرحية ، ومن ثم أخذ كل ناد رياضي يبحث عن كاتب يحتضنه وينتج له مسرحياته .
      وهكذا اتصلت الحركة المسرحية الجديدة بجمهور الأندية الرياضية العري مما أدى إلى انتعاش  الحركة المسرحية والنشاط الاجتماعي في آن واحد.
    وبعد نجاح ( تاجوج والمحلق ) ، ألف خالد أبو الروس مسرحيته الثانية ( خراب سوبا) في أواخر عام 1933م وأستقى حوادثها من تاريخ القرن السادس عشر عندما اتحد العرب والغونج لمحاربة النوبة وخربوا عاصمتها سوبا ، أما خالد فقد صور في مسرحيته مأساة الشر الإنساني وغريزة الثأر التي تودي بعقل الإنسان فتدفعه إلى ارتكاب الجرائم بلا توقف ، وقد أظهر الكاتب سوبا في هيئة عجوز قبيحة الشكل ورمز بها للنفاق الذي يستشري في الحياة الاجتماعية على مستوياتها جميعا .
     والجدير ذكره بأن مسرحيات خالد أبو الروس (السبعة الحرقوا البندر) و ( مات طه ) و( الضحية ) و(الحب والمال ) وكانت تعرض في معظم أرجاء السودان وبعض قراه .
    ثم تآمرت الظروف المحيطة على فرقة أبو الروس ، فلم تلبث أن تبددت فقد ظهر منافس خطير للمسرح في السودان وهو الفيلم المصري وخاصة أفلام محمد عبد الوهاب الغنائية (الوردة البيضاء) (يحيا الحب) ،غير أن أبو الروس عاد نشاطه بمسرحية (إبليس ) بتشجيع من وزارة الشؤون الاجتماعية للتمثيل بعد قيام الحكم الوطني في البلاد عام 1968م .
     ومع خالد أبو الروس ظهرت جهود الشاعر إبرهيم العبادي الذي قدم مسرحية من تأليفه عام 1934م وهي ( الملك نمر). وهي تستمد حوادثها من التاريخ ، لكن الحوار في المسرحية طويل والخطب رنان يضعف الجو العام للمسرحية ، وقد ظهر كتاب آخرون مثل : سيد عبد العزيز (مسرحية صور العصر ) وأمين القوم ( مسرحية فتاة البادية ) 1938م .
    وفي عام 1936 تكونت أول فرقة للتمثيل، وظهرت المرأة السودانية على المسرح، أنشأ الفرقة الفنان ميسرة السراج، وقد قدمت فرقته هذه مسرحيات كثيرة ذات محتوى اجتماعي منها ( وفاء وعجائب ) و ( انتقام وغرام ) ، كما فتحت الفرقة الباب واسعا للتبرعات واتجهت للشعب بشعار : " أعطني قرشا أعطيك مسرحا " .
    وينهي الأستاذ بدر الدين حديثه عن فترة ما قبل الاستقلال بالإشارة إلى تجربة معهد (بخت الرضا ) الذي قام في عام 1934 م برعاية الدكتور أحمد الطيب وقد بدأ المعهد بإنشاء فرقة للتمثيل ، أخذت تقدم روائع شكسبير (يوليوس قيصر ، الملك لير ، هاملت ) .
     وقد راعى الدكتور أحمد الطيب في ترجمة هذه المسرحيات أن تكون ملائمة لإمكانيات وأمزجة الطلبة وغيرهم من المتفرجين .
    وفي الأول من يناير 1956 ، نال السودان استقلاله الوطني غير أن هذا الحدث القومي الكبير لم يجد تعبيرا عنه في المسرح ، الذي اكتفى بالاسكتشات الفكاهية ، وفي عهد حكومة عبود الانقلابية ثم بناء أول دار مسرحية كبيرة سميت : المسرح القومي وتم البناء في أم الدرمان عام 1959م .
     ويقول الأستاذ بدر الدين إن أول أعمال هذا المسرح الشعبي قد جاء عن طريق جماعة تعرف باسم " أباد أماك " وكانت مسرحية : ( عنبر جودة ) حادثة وقعت بالفعل حين رفض المزارعون تقديم أقطانهم للسلطة الإقطاعية فطوقت هذه القرية جودة بعربات الشرطة المدججين بالسلاح والتقطت من بين صفوف الفلاحين 103 من زعمائهم و حشرتهم في غرفة ضيقة ثلاثة أيام ليس فقط دون أكل وماء بل دون هواء كذلك ، وكانت النتيجة أن مات هؤلاء المساكين اختناقا ، وقد قدمت الجماعة هذه الدراما الإنسانية بغاية إبراز آلام الشعب ومعاناته .
     ومن أعمال الجماعة أيضا ( أحزان ما بعد الساعة السادسة والنصف مساء) من تأليف عبد الله علي إبراهيم ومسرحية ( خطبة دفاع عن سميح قاسم ) كشفت فيها ما تعرض له هذا الشاعر المناضل من تعذيب في سجون "إسرائيل" .
    وتمخضت الثورة الشعبية أيضا عن نتاج مسرحي جديد هو المسرح الجامعي الذي لم يقدم مسرحية واحدة سودانية .
     وفي المقالة الثالثة يتحدث الأستاذ بدر الدين عن المسرح القومي في السودان تحت توجيه الأستاذ الفكي عبد الحميد الذي تولى منصب مدير المسرح القومي في عام 1967م وقد درس المسرح في إنجلترا فأراد النهوض من المتاعب الكثيرة التي تحيط بالمسرح السوداني ، فانتشاره محدود ، قضية المسرح غير مطروحة بشكل إيجابي على مستوى القطر ، النظرة العامة إليه هابطة ،ولم يبرز بعد الكاتب المسرحي المتمرس ، وعدم اهتمام الحكومات المتعاقبة بالمسرح ، ولا معهد للمسرح هناك لإخراج الطواقم المسرحية اللازمة ، ولا تزال المرأة غير حاضرة بالشكل المطلوب في نشاط المسرح ، فضلا عن المنافسة التي كان يلقاها المسرح من قبل السينما والتليفزيون .
     وقدم المسرح القومي في أول موسم له تحت قيادته أربع مسرحيات سودانية كلها هي : ( الملك نمر) من تأليف إبراهيم العبادي و ( ستار المحروسة ) من تأليف الطاهر شبيكه ، و( إبليس ) من تأليف خالد أبو الروس و( أكل عيش ) من تأليف الفاضل سعيد ، وكان الموسم ناجحا متوازن الاتجاه فالمسرحيتان الأولى والثانية من التاريخ ، والثالثة والرابعة من لون الكوميديا النقدية .
     ولم ينحصر جهد الفكي في العاصمة السودانية وحدها بل مد بصره إلى الأقاليم فعمل على بناء مسارح جديدة ، مثل مسرح تاتوج بكسلا ، و مسرح بورتسودان، ومسرح الجزيرة بود مدني ، ومسرح عطبرة مسرح كردفان ، كما أنها تنوعت العروض بين مسرحيات سودانية وعربية وعالمية معطية الأفضلية للمسرحية المحلية .
      وقد كان من أثر ازدهار المسرح في هذه الحقبة أن تألف إلى جوار المسرح القومي فرق مسرحية جديدة ، و أنشأ الفكي إدارة للفنون المسرحية والاستعراضية ، وكان من أبرز الفرق التي نشطت في هذا المعهد فرقة : الفاضل سعيد ، ولم تكن فرقة  جديدة في الواقع فقد امتد عمرها في الزمن إلى عشرين سنة خلت ، وكانت تمتد طوال هذه السنين وكان الفاضل من أبرز الكوميديين السودانيين ، وفي النشاط المسرحي الذي قدمه على خشبة المسرح القومي قدم مسرحيات : (أكل عيش ، ما من بلدنا ، النصف الحلو ، أبو فراس ، عم صابر ) وكانت أنجح هذه المسرحيات مسرحية (أكل  عيش)، وقد أخذ الفاضل سعيد بطريقة التأليف الجماعي ، حيث يبدأ لنص بفكرة ما تطرح أمام الفرقة وتبدأ المساهمات بما يجعل الحوار يتزايد ، وغالبا ما يكون هذا عن طريق الارتجال.
     وفي عام 1976م قامت فرقة الخليل 76 المسرحية ، وأخذت تركز نشاطها بشكل أساسي على إنهاض مسرح الطفل وقدمت أعمال ناجحة في هذا المجال ، وفي عام 1968م أفتتح معهد الموسيقى والمسرح الذي خرج أربع دفعات ، وقد قدم طلابه أعمالا وبحوثا مسرحية قيمة.
     وفي عام 1970م أخذت فكرة تكوين اتحاد للممثلين السودانيين تبرز إلى الوجود وتم  تكوين لجنة تمهيدية في العام نفسه ظلت تمهيدية وحسب حتى عام 1975م حين انتخبت لجنة تنفيذية لاتحاد الممثلين السودانيين وقد شرعت في محاولة إنقاذ الحركة المسرحية السودانية في وجه ضغوط معاكسة من وزارة الثقافة والإعلام .
      وتم إنشاء فرق للشباب في كل من أم الدرمان والسجانة وبحري ، وفي عام 1976م أفتتح            أول مسرح سوداني يبنى على أحدث الطرق والوسائل الفنية وهو مسرح الصداقة السودانية   الصينية ."(1)
                                                         
المرجع :
  (1) المسرح في الوطن العربي / الدكتور علي الراعي / سلسلة عالم المعرفة رقم 25/ كويت عام 1978 / ط 1 / ص (285-299 )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق